الأربعاء، 11 يناير 2012

شهادة الرئيس علي ناصر محمد: " جورج حبش في مرآة الفكر وثقافة المقاومة ".


 " جورج حبش في مرآة الفكر وثقافة المقاومة "
نضال جورج حبش

بقلم / الرئيس علي ناصر محمد
ارتبط اسم الراحل المناضل الحكيم جورج حبش بقضايا قومية عديدة لن تكفي هذه الوريقات البسيطة أن توفيه حقه فيها لاسيما القضية المركزية في حياته وهاجسه الأول والأخير الذي تختزله بامتياز كلمة " فلسطين " ربما أكثر من القضية الفلسطينية فالوطن بالنسبة للحكيم خارطة ثابتة ومقدسة وليس رسماً بيانياً متذبذباً ولا تستطيع الألوان المختلفة والرؤى المتفاوتة والقيم غير الموحدة أو غير المتماسكة أن تغير فيه شيء وعلى هذا كان نضاله من أجل فلسطين نوعياً ومتفرداً لدرجة يمكن وصفه- إذا ما صحّ تطويع اللغة - بأنه نضال جورج حبش " , وهو بذلك جدير .

وذلك النهج الصارم في الحق الذي انتهجه الحكيم قد جعله يحظى باحترام وتقدير كافة حركات التحرر العربية والعالمية ولا شك أن أعداءه قد شهدوا له بالفضل والمكانة - في قرارة أنفسهم - قبل أصدقائه وكما يقال " والفضل ما شهدت به الأعداء " وإن كان الإعلام الغربي المنحاز لإسرائيل قد حاول تصوير الحكيم في السبعينات على أنه " إرهابي " , مع علمهم كيقيننا بأنه رمز من رموز النضال الفلسطيني ضد الاحتلال الإسرائيلي الغاشم , ورجل من رجالات الذين تمتلكهم قضية وطنية فعاش طوال حياته مسكون بها وبهموم شعبه ومقاومته الوطنية ونضالاته المتعاظمة .

لقد كان لي شرف لقاء القائد الراحل المناضل الحكيم جورج حبش في وقت مبكر في مناسبات عديدة ومختلفة في " عدن " و " تعز " في اليمن , وفي " دمشق " و " عمان " و " بيروت" و" موسكو " وهو يتنقل بينها وبين بلدان أخرى سفيراً لقضية شعبه ولقضايا أمته العربية لا يألو جهداً في تقديم الغالي في سبيلها ولا يتسرب إلى نفسه اليأس واضعاً نصب عينيه الانتصار الذي كان بالنسبة له وشيكاً لا محالة منه , وهذا ما لمسته من شخصه دوماً حتى عندما التقيته آخر مرة قبل رحيله في دمشق متكئاً على عصاء وعلى جانبه رفيقة دربه وزوجته المناضلة أم ميساء .

كان للحكيم الراحل تجربة خاصة في اليمن فلطالما كان هاجسه الوحدة اليمنية وكان كثير السؤال عن الحزب الاشتراكي اليمني , فقد كان لحركة القوميين العرب التي أسّسها الحكيم في منتصف القرن الماضي دور مهم في دعم الثورة اليمنية في الجنوب حيث نجحت بالتحالف مع القوى الوطنية في تحرير الجنوب من الاحتلال البريطاني وقيام الدولة في اليمن الجنوبية والانتقال بالفكر من مرحلة التنظير إلى طور العمل والإنجاز وكان النجاح في الوصول إلى السلطة في عدن يمثل التجربة الأولى من هذا النوع لحركة القوميين العرب في الوطن العربي . وارتبط الراحل الحكيم بصداقات حميمية وعلاقات نضالية مع القادة في عدن , ومع كافة حركات التحرر اليمنية والعربية والعالمية وكان محط احترام وتقدير كل المناضلين لما عرف عنه من إخلاص للمبادئ التي آمن بها وضحى وناضل من أجلها .

وأعتقد أن جورج حبش ونحن في معرض تسجيل في مرآة الفكر وثقافة المقاومة أنه مدرسة في حد ذاته جديرة بأن تصدر شهادات عليا للكثيرين ممن نشطوا في مجال التنظير لحركات التحرر وللمقاومين في الساحة العربية من المحيط إلى الخليج , فقد تشكل الوعي السياسي المقاوم للراحل الحكيم في بواكير شبابه منذ شهد النكبة ووجد نفسه يشارك الكثير من أبناء وطنه محنة الطرد من أرضهم والتشرد بين الأوطان فامتاز الحكيم باستيعابه لهذه المحنة الكبرى على أنها نكبة لكل العرب وليس للفلسطينيين فحسب ومن هنا كان الأساس النظري عنده قومياً بامتياز ومنطلقاً من هذا المبدأ في صياغة إستراتيجية الصمود والتحدي وعلى ذلك تشكل حلم التحرير بوصفه حلم عربي ولأجل هذا الحلم عمل على بلورة أفكاره التحررية وثقافة المقاومة لتتجسد في البدء حركة القوميين العرب مروراً بنضالاته المتتابعة والمتعاظمة وصولاً إلى مشاركته بدور رئيس في تأسيس الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين إثر نكسة 67 م التي شكلت منعطفاً خطيراً في الحياة النضالية للحكيم ولرفاقه في مختلف التيارات .
وبالرغم من وطأة التأثيرات السلبية للنكسة على العرب جميعاً إلا أنها كانت بالنسبة للحكيم الراحل عامل استنهاض للهمم ولمواصلة النضال ذلك لأنه امتاز طوال حياته النضالية بأنه الأقدر على استخلاص الدروس من الوقائع والأحداث وعلى رأسها الحروب .

وكان تأسيس حركة القوميين العرب معبراً عن وعي الحكيم بحجم العدو المحتل ومن يقف وراءه وإدراكه لمخططاته الإستراتيجية وسياساته التوسعية والتي لا تستهدف فلسطين بل تستهدف تجزئة الوطن العربي والحيلولة دون وصوله إلى توفير المعادل القانوني والسياسي المفقود والذي يتمثل في الدولة الواحدة , فكانت الحركة تنشد بناء المجتمع العربي الموحد والملتزم بقضاياه على أسس ومبادئ تحررية ضمن مشروع نهضوي قادر على تحقيق ذلك وصولاً إلى تحرير فلسطين بجيش عربي ينتمي إلى تاريخ وجغرافية واحدة وتربطه لغة وتراث وثقافة مشتركة ولذلك كان الحكيم الراحل يهتم بمسألة " الانتماء " ويعول عليها في التأسيس لمشروع نهضوي يعتمد على ركيزتي الثورة والحرية . وظل وفياً لهذا المشروع حتى بعد أن تهاوت الكثير من مقوماته العملية أو بعد أن شبّه لبعضهم أنها تهاوت .

وميزات الراحل الحكيم جورج حبش كثيرة ومتعددة وأكثر ما يمكن أن يستظهرها جميعاً هو عدم فصله بين قناعاته وأفكاره وبين ممارساته ونضاله على أرض الواقع وهذا ما يفسر اختلافه في الرؤى مع بعض القيادات والذي فيما بعد إلى انقسام الجبهة إلى أكثر من فصيل, ولعل ما ميز الفصيل الذي تزعمه منتخباً هو أنه استطاع أن يعكس فيه بصورة عملية القناعات التي كان يؤمن بها ومن بينها إيمانه بالعمل استناداً إلى حرية الجماهير وقيم الديمقراطية ولا ريب فهو القائل : ( لا يجوز أن يكون هناك شيء على حساب الديمقراطية . ولا يمكن للشعب أن يحقق أهدافه الكبرى إلا من خلال الحياة الديمقراطية ) . وهذا ما طبقه بنفسه في الحقبة الأخيرة حينما ترك قيادة الجبهة مفسحاً المجال أمام غيره لإثرائها بمكنوناتهم ومعطياتهم ليتفرغ لما هو أنسب لعمره ولتجربته الطويلة والذي لم يمض وقتاً طويلاً حتى كشف عنه بنتاج فكري غزير وبتأسيس " مركز الغد العربي للدراسات " الذي أراد أن يترجم من خلال فكرته الخاصة والمتعمقة لقضية وطنه فلسطين وأمته العربية بغية إحياء النواة الحقيقة للمشروع النهضوي العربي وفق قناعاته في الحرية والديمقراطية . 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق