في الذكرى الرابعة لرحيل القائد جورج حبش /هيلدا حبشتحل الذكرى الأليمة الرابعة لرحيل الحكيم اليوم في خضم أحداث صاخبة تعصف في الوطن العربي فتهب رياح التغيير من أجل وطن تسوده الحرية والعدالة والمساواة وتصان فيه كرامة المواطن العربي المهدورة، وتطبق فيه الديمقراطية والتعددية السياسية ليبزغ فجر جديد يسدل فيه الستار على مرحلة قاتمة من تاريخ شعبنا ولتشرق شمس الحرية وتعود السيادة فيه للوطن وللمواطن التي طالما إفتقدها. كم كنت أتمنى أن يكون الحكيم اليوم على قيد الحياة ليعيش نشوة الإنتصار لإرادة الشعوب التي طالما اَمن بها وعمل من أجلها. فقد كان يؤمن دوماً بأن معركة التحرير تبدأ بتحرير الشعب من القهر والظلم والإستبداد والذل والفقر.
تأتي هذه الذكرى على وقع الاحداث الجسيمة التي يعيشها شعبنا العربي وعلى دوي المعارك الضارية التي يواجهها في صدور عارية وكله ايمان بعدالة مطالبه المحقة في العيش الكريم ومستقبل أفضل.
أمواج من البشر تملأ الساحات والميادين غير آبهة بآلة القتل والقمع التي تفتك بالنساء والاطفال والشيوخ والشباب وتقطّع اوصالهم. ثمن باهظ يدفعه الشعب من دمه بينما باقي شعوب الارض في البلدان المتقدمة تنعم بالحرية وتعتبر مثل هذه المطالب من البديهيات وحق مكتسب من حقوقها.
ان شرارة الثورة التي هبت من تونس وامتد لهيبها الى مصر وليبيا واليمن حتى وصلت سورية، جاءت لتعبر عن مدى الظلم والقهر الذي يختزنه شعبنا في ظل أنظمة مستبدة تستأثر بالمال والسلطة وتصادر حقوق المواطن وتنهب ثروات البلاد. إن البوعزيزي احرق نفسه بعدما أدرك أنه لا مكان للفقراء امثاله في هذا العالم المادي .إن الأزمات الاقتصادية التي يعيشها العالم في السنوات الاخيرة ماهي الا نتيجه طبيعية لجشع أصحاب المليارات وفسادهم فإنعكست سلباً على ذوي الدخل المحدود كونهم الحلقة الضعيفة أمام طاغوت الرأسمالية.
تتزامن ذكرى رحيل الحكيم مع ذكرى اندلاع ثورة مصر العظيمة، ثورة الشباب الذي قدم الغالي والنفيس من أجل القضاء على الدكتاتورية والفساد لتبدأ مسيرة البناء، بناء الدولة الحديثة دولة القانون والمؤسسات، دولة تعمل على حماية الشعب من الجهل والفقر والبطالة وتوفير العلاج والتعليم وخلق فرص العمل لجميع المواطنين. دولة تعمل على ارساء قواعد الديمقراطية والتعددية وحرية الرأي والتعبير. بهذه المناسبة المجيدة أتمنى لمصر ولشعب مصر ولكل الشباب والشابات الذين كان لهم الدور الاكبر في إحداث التغيير والذين دفعوا الثمن غالياً تحقيق اهدافهم الوطنية كاملة. هنيئاً لهم هذا النجاح وأطلب من الله أن تبقى شعلة الثورة متقدة، وان يعملوا جميعاً يداً بيد بعيداً عن الانقسامات المدمرة لحماية الثورة وحماية هذا الانجاز الكبير. المجد والخلود لشهداء مصر الأبرار.
اهنيء الشعب التونسي في عيد الثورة المجيدة ثورة الياسمين التي اندلعت في 17 ديسمبر وكانت أول من أطلق الشرارة التي انتشرت كالنار في الهشيم في معظم أرجاء البلدان العربية. ستبقى تضحيات الشعب التونسي صفحة مجد في تاريخ تونس الحديث تحية اجلال واكبار الى شهداء تونس وجرحاها والى كل من ساهم وشارك في عملية التغيير.
اما الشعب اليمني العظيم الذي مازال يقارع الدكتاتورية، فقد اثبت للعالم بأن النضال السلمي الدؤوب وبالارادة والتصميم يستطيع أن يواجه جيش النظام المدجج بالسلاح وأن الشعب الذي استطاع تحرير اليمن الجنوبي من قبضة الاستعمار البريطاني قبل عقود يستطيع أن ينتزع حريته من الطغمة الحاكمة نحن نعتز بالدور الكبير الذي قام به الشعب اليمني شيباً وشباباً واطفالاً. إن المرأة اليمنية دخلت التاريخ من أوسع أبوابه. تحية الى الأخت المناضلة توكل كرمان وهنيئاً لها وللمرأة اليمنية هذه الجائزة جائزة نوبل للسلام فهذا التكريم هو تكريم لكل امرأة عربية تركت بصماتها في ساحات الوغى. أحيي الشعب اليمني الذي ضرب مثالاً يحتذى به في الصبر والعزيمة والاصرار والمثابرة.
كما وأحيي الشعب الليبي الذي انتصر على الدكتاتورية والفساد وأترحم على شهداء الثورة الذين قضوا وهم يدافعون عن كرامة شعبهم وبلدهم وهم الذين بدمائهم الطاهرة رووا التراب الليبي وطهروا الارض من براثن الطغاة. اتمنى الشفاء لجميع الجرحى وان جراحهم ستبقى أوسمة على جباههم وجباه كل الاحرار في ليبيا. واتمنى على الثوار العمل على تعزيز الوحدة الوطنية والوفاق الوطني لتبدأ معركة البناء بناء ليبيا الحديثة الحرة بهمة شبابها وشاباتها.
إن الثروة النفطية هي ملك الشعب الليبي، إن دول الناتو لم تشارك في الحرب لسواد عيون الشعب الليبي يكفي أن نعرف أن حصة فرنسا وحدها من النفط 35' ولا أدري ماذا يبقى من حصة ليبيا بعد توزيع الحصص فيما بينهم هذا عدا عن النيران الصديقة التي اكتوى بها المدنيين العزل. المجد والخلود الى شهداء ليبيا الابرار.
أما سورية الحبيبة فمن الصعب أن تعبر الكلمات عن مدى الحزن العميق والشعور بالمرارة ونحن نشاهد الدم السوري يراق بغزارة في شوارع المدن السورية ثمناً للحرية والعدالة والمساواة. ومن أجل عملية اصلاح شاملة ومطالب محقة ومشروعة للتخفيف من أعباء المواطنين ومعاناتهم. سورية التي عشنا فيها الامن والامان والاستقرار لها مكانة خاصة في قلوبنا وتربطنا بشعبها أفضل العلاقات المتينة الودية والاخوية. لنا في هذا البلد الحبيب ذكريات خاصة وحميمة وإن ارتباطي بالحكيم والزواج منه تم في دمشق في كنيسة الصليب في القصاع ومازلت أذكر شباب الحركة، حركة القوميون العرب، وهم يرقصون الدبكة الفلسطينية خارج الكنيسة وسط عدد كبير من الرفاق والاهل والاصدقاء فرحاً بزواجنا كما أن إبنتنا ميساء ولدت في دمشق.
كان الحكيم يعشق الاقامة في سورية لقد عشنا معاً أحلى ايامنا التي امتدت لسنوات طويلة وكانت دمشق خياره الاول بعد الخروج من بيروت. أتخيله لوكان على قيد الحياة لقدم دمه انقاذاً لسورية وللشعب السوري ودعا الى وقف الاقتتال الداخلي بين الشعب الواحد وطلب من الجميع توجيه فوهات البنادق نحو العدو الاسرائيلي المشترك. كان يؤمن بالحوار الديمقراطي لحل الخلاف بين الاخوة ويدعو الى الوحدة الوطنية والوفاق الوطني بعيداً عن النزاع الطائفي كما كانت سورية دائما نموذجاً للتعايش السلمي. أدعو الى وقف القتال لأن ما يجري على الارض اليوم يفوق قدرتنا على الإحتمال. في خضم هذه الاحداث الساخنة تجري المفاوضات الفلسطينية الاسرائيلية المباشرة التي يطلقون عليها مفاوضات استطلاعية وكأن عشرين عاما' من المفاوضات الفاشلة لا تكفي للاستطلاع. بينما اسرائيل تستطلع بطريقتها الخاصة على الارض بخلق واقع جديد عن طريق مصادرة المزيد من الاراضي وتكثيف الاستيطان وبناء آلاف الوحدات الاستيطانية وتهويد ما تبقى من القدس وهدم المباني وطرد السكان ومصادرة هوياتهم وزج المزيد من المناضلين في السجون وشن المزيد من الغارات فوق غزة لتقتل وتدمر كما يحلو لها دون حسيب ولا رقيب.
ان شعبنا قد سئم المفاوضات والمفاوضين ويرفض التفريط بالحقوق والثوابت الوطنية التي دفع آلاف الشهداء والجرحى وآلاف المعتقلين ثمناً للمبادئ التي قامت الثورة من أجلها. أين أصبح حق العودة وحقنا في المقاومة وحق تقرير المصير وازالة المستوطنات والانسحاب من الاراضي المحتلة ؟ حقوق مشروعة اقرتها جميع الاعراف والشرائع الدولية. أدعو القيادة الفلسطينية إلى إحترام ارادة الشعب الفلسطيني واجراء استفتاء شعبي ليقول الشعب كلمته بكل ما يجري على الساحة الفلسطينية. إن الربيع العربي ورياح التغير آتية لا محالة.
رحم الله الحكيم ولتبقى مبادئه شعلة تنير طريق الحق والحقيقة.
' ارملة الزعيم الفلسطيني الراحل د. جورج حبش
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق