الثلاثاء، 17 يناير 2012

عار على يدي إذا صافحت يدا طوحت بأعناق شعبي ( جورج حبش) / بقلم حمدي مطر


عار على يدي إذا صافحت يدا طوحت بأعناق شعبي  ( جورج حبش)
بقلم حمدي مطر* 

في الذكرى الرابعة لرحيل الحكيم جورج حبش نتذكر بعضا من سيرته النضالية لتكون عونا لنا في استلهام الدروس من إنسان كان قائدا وضميرا للثورة الفلسطينية ، نتذكر الحكيم لنستلهم بعضا من الحكمة في زمن عزت علينا وضوح الرؤيا ، نتذكر لنتعلم مواقف العز والرجولة من الحكيم القائد والمعلم ، الامين العام للجبهة الشعبية لتحرير فلسطين .
ففي بداية أعمال المؤتمر الوطني السادس للجبهة الشعبية لتحرير فلسطين الذي انعقد في دمشق العروبة في صيف العام 2000، قدم الحكيم قراءة تحليلية وافية للوضع الداخلي في الجبهة وفي الشأن الوطني الفلسطيني والعربي والدولي  ، وتضمنت قراءته العلمية والموضوعية العديد من القضايا الاساسية في الفكر والسياسة والتنظيم ، حددت العديد من المسائل الجوهرية التي اراد الحكيم التأكيد عليها باعتبارها ثوابت وطنية وأسس عمل حزبية لا يجوز اغفالها او القفز عنها في اطار مجمل القضايا والقرارات التي ستصدر عن المؤتمر .
فقد خاطب اعضاء المؤتمر مؤكدا على اهمية الربط بين الهدف المرحلي والاستراتيجي ، وبين الموقف الوطني والقومي ، مشددا على نبذ المساومات السياسية الجارية في مطلع الالفية الجديدة، وعلى أهمية العمل على تطويقها ومواصلة النضال لتوفير الشروط الكفيلة بتحرير فلسطين ، ولفت الحكيم انظار اعضاء المؤتمر الى الأهمية الاستثنائية لبذل أقصى الجهود والطاقات لإعادة بناء التنظيم وتطوير وسائل واساليب عمله ، وتحسين شروط أدائه والارتقاء بمستوى فعالياته وانشطته المختلفة ، فالتنظيم في نظر الحكيم هو الرافعة الاساسية والحقيقية التي بدونها يستحيل فتح الافاق أمام امكانيات التقدم بالمشروع الوطني خطوات جدية الى الامام .
وفي إطار حديثة عن رغبته بعدم ترشيح نفسه للهيئات القيادية الجديدة اكد الحكيم على أن هناك أسبابا عديدة لتلك الرغبة ، يأتي في مقدمتها إفساح المجال أمام عملية التجديد والتغيير في الجبهة وتقديم قوة المثل والنموذج ، وقد قابل أعضاء المؤتمر الوطني السادس هذه الرغبة والمبادرة بالتعبير عن التقدير والاحترام للقائد المؤسس ، والقائد التاريخي الذي لعب دورا كبيرا ومميزا في قيادة النضال الوطني والثورة  الفلسطينية المعاصرة ، وقد فعل الشيء ذاته الكثير من الكتاب العرب الذين أجمعوا على التعبير عن شديد اعجابهم واحترامهم لتاريخ الحكيم ودورة في النضال الوطني والقومي العربي العربي المعاصر ، حيث وصفوا خطوته بترك الأمانة العامة للجبهة بأنها خطوة إيجابية وتنطوي على الكثير من المعاني والدلالات ، ومن شأنها ان تعزز مكانته الخاصة والمميزة في صفوف الشعب الفلسطيني وجماهير الأمة العربية وتزيد من أسباب تقديره واحترامه وتعزيز صورته  وهيبته حتى عند الذين اختلفوا معه أشد إختلاف في السياسة والفكر والايدلوجيا ، فقد توقف الكثير من الكتاب أمام هذه المبادرة بأعتبارها نموذجا يحتذى به من قبل الأخرين في الساحتين الفلسطينية والعربية .
لقد أمضى الحكيم أكثرمن نصف قرن من الزمن منشغلا بالمهام الوطنية والقومية ولم تكن الزعامة والقيادة غاية اوهدفا اوهاجسا له ، بل كانت مسؤولية تثقل كاهله وتجعله يبذل كل جهد ممكن لمواصلة العطاء في سبيل تحقيق أهداف وأمنيات الشعب الفلسطيني بالعودة وتقرير المصير وأقامة الدولة الفلسطينية المستقلة على كامل التراب الفلسطيني ، ومن اجل تحقيق أهداف الامة العربية بالوحدة والحرية والتقدم الاجتماعي .
وكانت فكرة الحكيم في التخلي عن منصب الامين العام العام قد راودته قبل فترة طويلة من الزمن على انعقاد المؤتمر السادس للجبهة ، وتحديدا قبيل الذكرى العشرين لانطلاقة الجبهة الشعبية ، اي في العام 1987وقبل انعقاد المؤتمر الخامس للجبهة بست سنوات ، غير ان إصرار أعضاء الجبهة على الاحتفاظ بالحكيم أمينا عاما جعلته يتراجع عن تنفيذ رغبتة وقراره بالتخلي عن موقعه ، فالقائد المؤسس وصاحب الدور المميز والتاريخي في بناء الجبهة الشعبية واكسابها طابعها الخاص كفصيل اساسي في الساحة الفلسطينية لا ينظر اليها باعتبارها مزرعة خاصة ، ونظرا لثقته الكبيرة في صدق وإيمان رفاقه في النضال ،لا يخشى على دورها ومستقبلها ان هو ترك موقعه القيادي فيها لرفاق أخرين ، فالحكيم الذي آمن بالديمقراطية قيما ومباديء وسلوك وساهم بدور اساسي وبارز في ترسيخ أسسها وتكريس مبادئها في مؤسسات الجبهة وحياتها الداخلية ، أراد تجسيد إيمانه بالديمقراطية ومعاني التجديد والتغيير عن سبق إصرار وقناعة بترك موقعه كأمين عام مع احتفاظه بعضويته في الجبهة كأي عضو في المراتب الحزبية الدنيا .
ان خطوة الحكيم تلك هي تعبير صادق عن إيمان حقيقي بالديمقراطية بمعناها الواسع والشامل ، فالرجل الذي أمسى واحدا من أهم الرموز السياسية والتاريخية في النضال الوطني الفلسطيني المعاصر أراد ان يقدم مثلا ملموسا لذلك الفهم المتقدم لمعنى الديمقراطية ، وبالمطلق لا يعني تقديم هذا الانموذج أن الحكيم ينوي قضاء الوقت المتبقي من عمره في التمتع بالراحة والعيش الرغيد ، بل على عكس ذلك تماما ، فقد كان يرسم لنفسه طريقا شاقا أخر ومهاما اضافية في مسيرة النهوض بالعمل الوطني والقومي العربي ، فقد اتضح جليا ان الحكيم عازم وبكل اصرار على مواصلة طريق النضال في اطار المهام الوطنية والقومية التي كان يعتقد انها تحظى بمكانة مركزية في تلك المرحلة . فبالرغم من عقود النضال الطويلة والمضنية التي خاضها وحالته الصحية انذاك الا انها لم تثنيه عن مواصلة دوره النضالي ، فكنا نراه ونسمعه يعقد اللقاءات ويجري الاتصالات ويواصل العمل ليل نهار بلا كلل او ملل وبقدر كبير من الحماس والنشاط كأنه عاد للتو الى بداياته الاولى كما في عام 1948 .
سيبقى حكيم الثورة رمزا اساسيا من رموز الشعب الفلسطيني له كبير الاحترام والهيبة في اوساط شعبه وابناء امته بما يمثله من قيم ومباديء واخلاقيات وارادة نضال اتسمت بالصدق والتواضع والترفع والايثار وامتلاك الشجاعة لقول الحقيقة مهما كانت قاسية ، وبعد اربع سنوات على رحيل القائد نتذكر اننا عايشنا شخصية غنية بتراثها وفعلها الكفاحي ، مناضل حقيقي شارك بمعارك شعبه وامته تذوق مرارة الهزيمة ولم تنل منه المحن والهزائم ،لم تتزعزع ثقته بعدالة وطهر قضية شعبه وظل صلبا متماسكا مؤمنا بحتمية النصر ، وسعى بكل ما يملك من نبضات قلب وقطرات دم ان يبدل تلك الانكسارات ويجعلها مشاريع نصر وتحرر
سيبقى الحكيم كوكبا ساطعا في سماء امتنا العربية ، يلمع ببريق إخلاصه وتفانيه لقضية شعبه بالتحرر من سخط الاحتلال الصهيوني ، وامنيات امته بالوحدة والكرامة والخلاص من انظمة الاستبداد والتبعية ، سيبقى الحكيم قمرا يضيء ليلنا الفلسطيني والعربي بفكره المشع وارادته الصلبة ،ستبقى يديه بيضاء طاهرة من نجس المصافحة والسلام الزائف مع قتلة شعبنا ، وفي ذكرى رحيله نؤكد لابناء شعبنا في فلسطين المحتلة وفي شتى بقاع الدنيا ان لا قيمة لحياة الفلسطيني ما لم تنضوي على فعل وعزم يبذل من أجل استرداد الحق في الارض والدولة على كامل تراب الوطن الفلسطيني .
للراحل الكبير الرفيق جورج حبش ، عظيم الشكر والامتنان على الدرس والفكرة والانموذج الحي الباقي ، وعلى روح رفيق الدرب  التحية والسلام
حمدي مطر */ مؤسس وقائد في الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين  

هناك تعليق واحد: