الخميس، 19 يناير 2012

شهادة أحمد سعدات:جورج حبش ...حكاية وطن


جورج حبش ...حكاية وطن*

أحمد سعدات
الأمين العام للجبهة الشعبية لتحرير فلسطين

أن تكتب عن الحكيم "جورج حبش" فأنت في الواقع تكتب عن فلسطين الوطن،وعن قضية العرب الأولى،ومسارها،وسيرورة النضال الوطني الفلسطيني،ومشوار الكفاح للشعب الفلسطيني فقد تماهت صورة الرجل مع صورة فلسطين.
وإن أردت أن تتعرف على شخصية وهوية جورج حبش،فأنت في الواقع تبحث عن هوية أمة في فكر الرجل،وفي وجدانه،وعواطفه،بل تبحث عن إضاءات في ظلام الأمة،وعن حركة قومية جسدت خيار وآمال أمة بأكملها.

لاغزو في ذلك فالرجل صاغ فصلاً سياسياً وكفاحياً في تاريخ فلسطين والأمة العربية ولم يكن ممكناً أن تتبلور شخصيته وتتحول إلى كاريزما وطنية وقومية،وكيانية مكافحة،مناضلة دون انصهاره وعياً،وفكراً،وعاطفة،وممارسة مع قضايا ومعضلات الأمة العربية الكبرى وفي القلب منها فلسطين الكيان المسلوب منه،فامتد بصره بعيداً نحو أمة تنهض وتبحث عن مكان لها تحت الشمس،وعقله يكشف مكنون اليمن السعيد،وأرض بابل،ووطن عمر المختار،وفعله يبدأ من لبنان الديمقراطي متزوداً منه وعياً،وفكراً،وحيوية،راسماً إطاراً تنظيمياً وسياسياً لصهر الأمة مع تاريخها وحاضرها كي تصنع مستقبلها.

لقد ملكته فلسطين واحتضنته طفلاً يافعاً،وشاباً،طالباً،مناضلاً،ثائراً،فقد نسج من مخيلته وعقله،ووعيه،ووجدانه،وسهره،وأرقه،ودموعه خيوطاً زاهية في متن الرواية التاريخية لوطن أضاعته الخيانات،ومزقته العصبيات والقبليات .

انصهر مع الرواية ،فكان هو والوطن تاريخ واحد في زمن واحد،هو والوطن نبض قلب واحد لجسد واحد،هو والجغرافية كيان واحد..وهل ثمة ثائر خارج الجغرافيا والتاريخ؟!

كان حالماً،وثائراً في عروبته وقوميته يكاسر الريح،ويعاند الأمواج العاتية حيث أدرك معنى وقيمة العروبة كمرادف لمعنى الانتصار والعلو،فتشكلت شخصيته القومية مع مسار الوعي القومي العربي،ومواجهة سياسات التقسيم والتفتيت الاستعماري،فأنشأ حركة قومية تحررية إيماناً بالعمق العربي في معركة فلسطين القادمة،وآمن بالقيم التاريخية والوطنية للوحدة العربية في الصراع مع الآخر،وبالقيمة الاستراتيجية للوحدة العربية في مسار وسيرورة حركة التقدم والتنمية والاستقلال السياسي والاقتصادي والاجتماعي،كان مشوار كفاحه نشيداً وعزفاً لوحدة الأمة،وحين أسس الجبهة الشعبية،أرادها"جبهة" تعكس جميع القوى الشعبية استعداداً وانطلاقاً لمعركة وفرتها ظروف الهزيمة العربية.

لم تكن ماركسيته نقيضاً لعروبته أو نفياً لها،وطوعها كي تكون طريقاً آخر نحو العروبة الواحدة،وتفعيل البعد الطبقي والاقتصادي والاجتماعي في بناء القومية الواعدة.
ولم تكن ثقافته الإسلامية،وإيمانه المسيحي ،ووعيه القومي،واسترشاده الماركسي إلا مكونات شخصيته الواحدة الثقافية المتبلورة والمنفتحة على الفكر الإنساني والفكر التغييري الثوري في الزمان والمكان المعاشين.
كان متوحداً مع فكره الثوري أياً كانت مصادره،ثائراً قومياً،وثائراً وطنياً،وثائراً أممياً،وحين حمل لواء القومية،كان ثائراً من أجل وحدة العروبة،وحين أعطى فلسطين بعدها الوطني والمركزي في النضال كان في الواقع يبحث عن بارود الثورة في الواقع الاجتماعي والسياسي المعاش،وعبر إبراز القيمة الثورية للهوية الوطنية الفلسطينية،وحين حمل لواء التحول نحو الماركسية،كان باحثاً موضوعياً عن محفزات الثورة الطبقية وأداة الثورة الاجتماعية والطبقية التي لا مصلحة لها إلا باستمرار الثورة...

وهنا لا غرو في القول أن جورج حبش كان ثائراً واحداً في أيديولوجيته وأهدافه،وممارسته،في قوميته ووطنيته وأمميته،فكانت حكايته من ألفها إلى يائها حكاية ثورة،حكاية أمة ووطن،لا بل حكاية فلسطين والثائر..
بيد أن الحكاية يستشهد بطلها في منتصف الطريق الشاق،ولم يزل الراوي يسرد فصول الرواية..وثمة من يسأل : هل من بطل آخر يقتفي آثار ذلك الثائر المتحد مع الوطن والتاريخ والجغرافيا والشعب ليصنع مجداً وانتصاراً .


*: مقدمة كتاب الحكيم جورج حبش ,حكاية وطن...شهادات ،هو كتاب تذكاري يحوي على عشرات الشهادة عن الحكيم من كتاب ،ومثقفين ،ومفكرين ، ورفاق وأصدقاء الحكيم ، وقد جاء الكتاب في خمسة أبواب و٣٦٥ صفحة ، ويحوي على  ملحق السيرة الذاتية، وملحق صور وهو صادر عن مؤسسة الهدف للنشر والتوثيق

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق