الأحد، 15 يناير 2012

شهادة عادل سمارة:الحكيم: تساؤلات، لا رثاء من الحياة الدنيا للحياة الأخرى


الحكيم: تساؤلات، لا رثاء
من الحياة الدنيا للحياة الأخرى
- عادل سمارة-  
رام الله المحتلة

أربأ بك أن أسميك قائداً، فلعمري اني أمقت هذه الأحرف، لما فيها من محمول طبقي ثقيل يشترط انقياد القطيع.
ما أوسع بيداء المسافة بين القائد والمقاتل، بين من يستجدي دولة من أوغاد البيت الأبيض وبين من لا يترك قتالهم حتى تغوص الخيل في الدم. هي المسافة نفسها بين مضاجعتهم عواصم الحكام، وبين نسف جدار حصار غزة، بين بيع نفط بغداد وبين مطاردة اليانكي في الأنبار، بين ثعلبة 14 آذار، وبين هزيمة الإمبراطورية في بنت جبيل. 
حيت تقضي الشخصيات العامة، لا يجوز رثائها باللازمة الممرورة المحايدة: "قضاها في عمال البر والتقوى".
يرحل المناضلون، ترحل الشخصيات العامة وتبقى حية في مشاريعها وسياساتها وأفكارها. نتحاور معها أكثر مما نتذكرها، ونناقشها ونحاورها ونشتبك معها ونقاتلها ، ونحدد منها مواقف كما تحدد هي منا كذلك.
ليس هذا الرثاء مديحاً لك نبتغي منه تكسباً ما على حساب جثمانك المسجى في عين الزمان. فما أكثر الذين يتبارون في الندب والتفجع. وما أكثر متكسبي الثورات متخصصي الإتجار في بورصات الثورة المضادة.
هذا شأننا في رثاء الحكيم، حوار أحياء، فالشخصيات العامة لا تموت.
·         لم تقل لي قبل أن ترحل ايها السيد هل يمكن لجذوة التحرير ان تتقزَّم إلى مجرد شمعة احتجاج من برجوازية/زي صغير، صغاراً على ميدان المنارة برام الله؟ محاطة بفريق لمعان التصوير الفضائي والأرضي والسفلي؟ أم أن فكراً من طراز "غابة البنادق" لا يمضي في الشوط إلى تفاقمه القومي والطبقي والأممي.
     انه هو، نعم. هل نحن في مرحلة التفجع بالشموع؟
·         لم تقل لي ايها الفارس إن كنت مت يوم إعلان الإستقلال الإحتفالي في الجزائر.
يوم توليد دولة تعويضا لتحرير وطن.
·         لم تقل لي، أيها العربي، لماذا جرى حل حركة القوميين العرب عام 1967، وهل كان هذا تمشياً مع الهزيمة، وارتداداً قطرياً عن المشروع القومي؟ هل كان خلطاً بين هزيمة قوميين برجوازيين صغاراً، وبين هزيمة أمة، والأمم لا تُهزم هزيمة مستدامة. فما زال جسد الحركة مسجً منذ يومها برسم الدفن. وكنت سألت هذا السؤال للجميع في كراسة: "بيان اشتراكي عربي" ولم يُحر لي أحد جواباً بعد!
·         وكنت أدفع راسي لو تعلِّمني كيف تمكنتم من إقامة حركة القوميين العرب، ولم تتمكنوا من قطف هبوب الشباب العربي لتشكيل حركة عربية يسارية على الأقل خلال عصر المقاومة الذهبي، فتفرق  هؤلاء ايدي سبا في القطريات السوداء.  
·         هل كان من مقتضيات الماركسية الكلاسيكية تحويل الأممي إلى قطري، متجاوزاً البعد القومي؟
·         وحبذا لو كنت قلت لي أن تحويل حركة القوميين العرب إلى تنظيم يساري قطري، لم تكن تجربة جذرية؟ أما أنا، واسمح لي أن اقلد المتنبي، الذي كلما مدح أحداً ذكر نفسه،  فقد تحولت أنا حينها في ميعة الصبا من الحركة إلى الجبهة، حيث طغى لزوم الكفاح على لزوم الموقف الفكري والنظري.
·         وحين اعتقدت أني توازنت، واعتقدت بتوازن الجناح الذي انشق عن الجبهة "اي الجبهة الديمقراطية" ركضت إليها، معتقدا كما اعتقد إبراهيم بالقمر "هذا ربي". وحين لم أجد ربي هناك، غادرت لا أسفاً على أمر، ولا سعياً نحو مجد، ولكن أملاً في وطن الجغرافيا والفكر معاً، فأين أنت من جنتين معاً، ولذا كان أن دفعت ما دفعت!
·         لم تقل لي، ايها الرفيق، ولك أنت مجد المؤسس، فأنا أعرفك منذ بيروت في منتصف الستينات، لماذا لم أعد اسمع في الجبهتين اي خطاب ماركسي او شتراكي، بعد رحيل الوطن الطبقي (الإتحاد السوفييتي)، وبعد دفن الإنتماء القومي؟
·         ولم تجبني، ايها المناضل، لماذا يحاول من يمدحوك الآن أن يؤكدوا على دورك القومي، وهو صحيح، ولكنهم يتهربون خجلى من الحديث عن الشعارات الماركسية-اللينينة؟ هل كل هذا خوفاً من دولة رام الله العظمى اللبرالية ام امركة، أم خشية دولة غزة الإسلامية؟
·         لم تقل لي لو مررت بباريس وزرت كارلوس (الشاجال) كيف أبرر انتهائه بأيدي أوغاد السودان الهجريين وقد افتتحوا بمجده سوق نخاسة الثوريين؟
·         وهل كان لأبي هاني إلا أن يقضي لو كان سيعرف أن هذا مصير العملاق الذي ابى إلا أن تدوس قدمه عنق وزير النفط ؟ ألا تقسم يا ابا الميساء أنها لحظة عز؟
·         تعاندني راسي الحجرية فتأبى أن قلباً عظيماً مثلك توقف لنقص الكهرباء، وإخال، ولا أخفيك، وإنك تسمعني اللحظة أن رحيل قلبك كان لحظة رأيت الوحش الأميركي الأبيض، قبل ايام يراقص سيف ابن ابي طالب كما لو كان يغتصب فتاة "وامعتصماه".
كثيرة هي الاسئلة، لا بل إن كل وجودنا اليوم مثار سؤال كبير، ولكن قلبك الآن متعب، لك أن تنام، ولنا أن نواصل خلق الأجوبة.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق