الأربعاء، 11 أبريل 2012

شهادة د. حليم بركات : جورج حبـش فارس حركة التحرير الفلسطيني والنهوض العربي


                                             الحكيم جورج حبـش:
فارس حركة التحرير الفلسطيني والنهوض العربي
د. حليـم بـركات

رسخت في مخيلتي صورة جورج حبش منذ ان شاهدته لاول مرة قرب البوابة الطبية في الجامعة الاميركية يتحدّث مع زميله في كلية الطب ورفيقه في حركة القوميين العرب وديع حداد الذي كان والده الياس حداد استاذي في الاستعدادية ومن ثم اصبحت زميله في التعليم في مدرسة برمانا  . واذكر بوضوح ان عميداً في الجامعة الاميركية ذكر لي ان جورج حبش كان متفوقاً في سجله الدراسي حتى ذلك الزمن وقد حصل على اعلى رقم قياسي في تاريخ الجامعة الاميركية إذ بلغ معدله  96 % .
وتعمّقت معرفتي به في الجامعة الاميركية في بيروت حيث نشط في حركة القوميين العرب وكنت قد بدأت انشط بدوري في الحزب السوري القومي الاجتماعي . وكانت الحركتان تتنافسان في اجتذاب الطلاب الى صفوفها . وفيما بعد ، عدت عام 1966من اميركا حيث انهيت دراستي العليا للتدريس في الجامعة الاميركية ، وانخرطت بعد الخامس من حزيران باجراء ابحاث ميدانية في المخيمات الفلسطينية في لبنان والاردن كان من نتائجها ان اثيرت قضيتي في الجامعة الاميركية عام الدراسي 1972_  1973  عندما رفض رئيس الجامعة كركود ترقيتي وتجديد عقدي رغم توصية دائرتي واللجنة الاكاديمية العليا فاضرب طلاب الجامعة تأييداً  لي واستمر الاضراب اسابيع وكتبت عنها الصحافة ، فاستدعاني الحكيم للتعرف الى ما حدث حقاً فشجعني على المضي في الطريق الذي اخترته لنفسي قائلاً ، « هذا درس لك  في الاضهطاد فلا تيأس ابداً »
وتعمّقت معرفتي بالحكيم من خلال صداقتي بغسان كنفاني ، وبسام ابو الشريف ، ولقاءاتي به في مخيم الوحدات في الادرن ودمشق حيث اعتاد ان يستدعيني للاستفسار عن اوضاع العرب الاميركيين ونشاطاتهم . وكان صديقي هشام شرابي بدوره فقد التقي به في تلك الايام في الاردن ، واخبرني انه دهش امام ما اكتشف من عقلانية الحكيم  من حيث انه جمع بين التحليل الاجتماعي والسياسي ربما متأثراً بدراسته الطبية ومعالجة مرضاه  . واردف شرابي قائلًا انه اكتشف شبهاً كبيراً  بين الحكيم وبين انطون سعادة في دقة تفكيره ومناقبيته .
واذكر  ان مركز دراسات الوحدة العربية طلب مني ان ارشّح في ربيع 2000 من اعتبره شخصية تستحق جائزة جمال عبد الناصر وفق  القواعد الواردة في النظام الأساسي للجائزة ، وذلك تتويجاً لكفاحه المتواصل منذ عام  1948 وحتى الوقت الحاضر في خدمة القضية الفلسطينية من ضمن الحركة القومية العربية في انبل مراميها وأهدافها وقيمها الانسانية والحضارية ، وانطلاقاً من تنظير  متقدم قابلٍ للاستفادة من التجارب المتراكمة

        لذلك كتبت لمركز دراسات الوحدة العربية اقول، « انني ارشّح الدكتور جورج حبش لنيل هذه الجائزة . وتحديداً ، أرى ان كفاحه المتواصل منذ ما يزيد على نصف قرن تميّز بخمسة انجازات انسانية وقومية :
أولاً ، جمع الدكتور جورج حبش بين القدرة على التنظير الفكري العلمي والعمل الكفاحي مستفيداً من خلفيته في دراسة الطب فشدّد على أهمية الربط بين تشخيص الواقع والعلاج المطلوب . واعتقد ، كما نعرف جميعاً , ان الجمع بين الفكر والعمل ظاهرة نادرة في ثقافتنا وحياتنا السياسية .
ثانياً ، نظر الدكتور حبش دائماً  الى الكفاح الفلسطيني ومارسه في اطار  الكفاح القومي العربي , ولم يثنِه عن ذلك ما نشأ مؤخراً من تطورات باتجاه التمسك بالقطرية، والعمل الخاص على حساب الأمة .
ثالثاً ، واكب الدكتور حبش الحركة الناصرية منذ مطلعها وكان حليفاً مخلصاً في مختلف جوانب مسيرتها ، وقد شاركها في انتصاراتها واخفاقاتها .
رابعاً ، جمع حبش في شخصه ونهجه القيادي بين الجانب الكفاحي والانساني الأخلاقي والديمقراطي . انكر مصالحه الشخصية وتخلى عن مهنته الطبية لينقطع للعمل الكفاحي فاكتسب عن جدارة لقب ضمير القضية الفلسطينية .
خامساً ، واصل كفاحه دون انقطاع طيلة نصف قرن وحاول جاهداً ان يستفيد من تجارب الحركة الوطنية والقومية بعقل منفتح . بعد ان استقال مؤخراً  عن رئاسة  الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين ، عمد الى مواصلة الكفاح بتأسيس المركز العربي  للدراسات المتعلقة بالصراع العربي - الاسرائيلي للبحث عن أجوبة لاسئلة هامة نابعة من صلب القضية الفلسطينية والعربية الأعم . وبين أهم الاسئلة التي طرحها على نفسه وعلى غيره من المفكرين العرب ذلك السؤال الأهم الذي يتعلّق باسباب الاخفاقات العربية وكيفية التغلّب عليها في سبيل صنع مستقبل جديد   للقومية العربية .
بهذا ظل رمزاً  لمواصلة الكفاح في زمن الاستسلام .
ان الدكتور جورج حبش يمثّل بحق تلك الميزة الناصرية الأساسية ، وهي ميزة المواجهة لا ميزة الاستسلام والرضوخ لجبروت القوى المعادية . ان ضعف الأمة يجب ان يشكّل حافزاً للتحدي والمواجهة وتحريك كافة القوى الكامنة في النفس الانسانية للخروج من حالة الضعف والتغلب على مسبباته لا الاستسلام اليه .  »
وبالنسبة للمقاومة ، فقد ادرك الحكيم اننا في حالة صراع مفتوح ، ونضال مستمر وصيرورة تاريخية . وزاد من احساسه هذا ما لقيه هو نفسه من اضطهاد فتعرّض للسجن وتمّ احتجازه في فرنسا عندما ذهب اليها للاستشفاء بواسطة الصليب الاحمر الفرنسي ومنظمة الهلال الاحمر الفلسطيني عام  1992بسبب ما تعرّضت له فرنسا من ضغوط صهيونية. فاحتج العرب في مشرقه ومغربه ، حكوماتاً وشعباً ، وتداعت مشاهد جمال عبد الناصر في معركة السويس . وفي هذا الوقت ظهرت صورة زوجته هيلدا ( ام ميساء ) بدفاعها المستميت عن زوجها حتى انها لقّبت ب“ النمرة ” ، حسبما عبّر مسؤول الامن الفرنسي ، واضافت هي انها نمرة شرسة في دفاعها عن رفيق حياتها.
وعقب ذلك اصدرت الجبهة الشعبية كتاباً بعنوان ، < رجل يهزّ فرنسا : تفاصيل احتجاز الدكتور جورج حبش في فرنسا > ، اهداني اياه الحكيم نفسه بقوله ، “ الى الصديق الدكتور حليم بركات مع المودة والتقدير”
واضيف هنا ان الكثيرين ممن تابعوا كفاحه المنقطع النظير ، احترموه لكونه نقيض القيادات السياسية المهيمنة . انه قدوة للأجيال الطالعة .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق