الخميس، 16 فبراير 2012

شهادة د. سمير أمين:جورج حبش الأكثر استنارة


جورج حبش الأكثر استنارة

- د.  سمير أمين-
كان جورج حبش الأكثر استنارة بين المناضلين الفلسطينيين. عاش المذابح, وعمليات الطرد الجماعي , والتطهير الإثني التي قامت بها اسرائيل ضد الشعب الفلسطيني في عام 1948, وهي حقائق يعرفها أي مؤرخ يستحق هذا الاسم, وإن كانت تخفى بعناية عن الرأي العام الغربي . وقد تعلم من ذلك , الدرس القائل بأن المشروع الصهيوني مشروع استعماري إجرامي عنصري, يقوم على غرار ما حدث في أمريكا الشمالية وأستراليا, حيث أبيد الهنود الحمر, وسكان استراليا الأصليين ليحل مكانهم الانكليز الهاربين من بلادهم . ولهذا السبب رفض حبش التوقيع على اتفاقات أوسلو التي وقعتها منظمة التحرير الفلسطينية , وأثبت التاريخ أنه كان على حق . فهذه الاتفاقات شجعت اسرائيل على التمادي في مشروعها التوسعي , بدلاً من البدء في " عملية السلام " كما ظنت وسائل الإعلام حسنة النية .

فمن الذي سيحرر الشعب الفلسطيني ؟ هل هم العرب المتحدون حول الفلسطينيين ؟لا شك أن حبش قد ساورته في أول الأمر بعض الأوهام الرومانسية بهذا الشأن, بل إنه لفترة ما , كان يتوقع أن تقوم الدولة الوطنية الناصرية بهذه المهمة . ولكنه لم يستسلم تماماً لهذه الأوهام , والدليل انه اختار للحركة التي أسسها اسم " الحركة القومية " معبراً عن توجهه للجماهير الشعبية واليسار خاصة الشيوعيين لا للحكومات أو الأحزاب العربية ,وقد اختار الإستراتيجية نفسها عندما أسس " الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين " .

وقد نادى حبش بقيام دولة ديمقراطية علمانية واحدة تضم جميع سكان فلسطين على قدم المساواة دون تفرقة بينهم على أساس الجنس, أو الدين , وفي لبنان رفض أن تنضم حركته إلى بعض التحالفات مع القوى الخارجية أو الإقليمية كما فعلت بعض التنظيمات الفلسطينية الأخرى . لقد حافظ على الدوام على استقلالية حركته , كما احترم استقلالية الشعوب العربية الأخرى .

وهذه الاختيارات المستنيرة دفعته للوقوف إلى جانب القوى التي تعمل على اكتشاف " الطريق نحو اشتراكية القرن الواحد والعشرين " فقد كان حبش ماركسياً غير جامد ( وقرأ ماركس بإمعان وتدقيق في أثناء سجنه )
لذلك لا نندهش عندما نجد أن حركة جورج حبش " الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين " صارت العدو رقم واحد الذي يجب القضاء عليه في نظر إرهابيي دولة اسرائيل والمدافعين عنهم من الأمريكيين والأوروبيين , كذلك نظرت لها بعض المنظمات الفلسطينية كمنافس قوي في الحصول على تأييد الجماهير الفلسطينية, ولهذا كان من أولويات الحكومة الإسرائيلية أن تدمر حركة المقاومة الديمقراطية العلمانية هذه التي تنزع أية مظاهر للشرعية عن ممارسات الأبارتهيد الصهيونية .



ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق