*نعمل على إعادة بناء م. ت. ف على أسس ديمقراطية!
*علاقتنا مع (أبو عمار) كان يحكمها قانون وحدة – تعارض –
وحدة. الآن لا فائدة من استئناف الحوار.
*التمسك بالميثاق والمنظمة يعني الحفاظ على وحدة الشعب
الفلسطيني.
*خلافات أطراف المعارضة عطّلت آليات عملها.
*نطالب بجبهة وطنية عريضة تضم القوى والشخصيات المعارضة
للنهج التسووي.
*كل فلسطيني مع إعلان الدولة، ولكن يجب توفير مقومات
السيادة لها.
*الفشل ليس فشل أشخاص وإنما فشل رؤى وبرامج!
*لن تحدث انشقاقات داخل الجبهة الشعبية والخلافات
نعالجها بالحوار.
*بلورة مشروع نهضوي عربي متكامل يضعنا على عتبة مجابهة
المشروع الصهيوني.
*نفكر بإنشاء مركز دراسات قادر على إعادة قراءة التاريخ
والتجربة بعقل نقدي.
حاوره في دمشق: سعيد البرغوثي أجري هذا الحوار
«الاستعادي الآن» في مطلع عام 1999 في مرحلة دقيقة من مسيرة النضال الفلسطيني ولم
يتسن نشره في حينه، وتكمن أهمية نشره الآن لكونه وثيقة تسلّط الضوء على فكر الحكيم
والجبهة الشعبية في تلك المرحلة.
غمرتني موافقة «الحكيم» على إجراء هذا الحوار بالفرح،
فذلك امتيازٌ يخصني به الدكتور جورج حبش، وهو الذي بات في الآونة الأخيرة مقلاً
جداً في إجراء المقابلات الصحفية، لذلك حملت أوراقي على عجلٍ وذهبت إليه في مكتبه
بدمشق، وكعهدنا به، استقبلني بودٍ وحميمية أشاعت حالة من البساطة والصدق والصراحة
التي خيّمت على جو اللقاء، مما أنساني ـ للحظةـ أنني أمام قائد فلسطيني كبير، يحمل
على أكتافه تجارب خمسين عاماً من النضال، بكل ما لها وما عليها، ذلك لأن الوجه
الإنساني الدافئ عند جورج حبش، والمصداقية العالية التي يتمتع بها، يطغى على كل ما
عداه.
تدفق الحوار صريحاً واضحاً، ولامس خطوطاً حمراء لقضايا
فلسطينية ساخنة.. وبجرأته المعهودة حدَّد الدكتور حبش بوضوح مواقف الجبهة الشعبية
حول مؤتمر دمشق الأخير الذي جاء رداً على اجتماع غزة لإلغاء الميثاق الوطني، وتحدث
عن الأسباب التي تدعو الجبهة الشعبية إلى التمسك بهذا الميثاق، ودعوتها إلى إعادة
بناء منظمة التحرير الفلسطينية (م. ت. ف) على أسس ديمقراطية. وتناول قضية تحالفات
الجبهة الشعبية وعلاقاتها مع فصائل المعارضة الفلسطينية الأخرى ومسألة الحوار
الفلسطيني – الفلسطيني الشامل، وعلاقة الداخل بالخارج. كما أعطى فكرة عن استعدادات
الجبهة الشعبية تمهيداً لعقد مؤتمرها السادس، وتناول ما يشاع حول خلافات داخل
الجبهة، ثم تحدث عن موقفه الراهن من أشكال النضال على ضوء التطورات الأخيرة، إضافة
إلى قضايا كثيرة منها: الموقف من القوى الإسلامية الفلسطينية (حماس والجهاد
الإسلامي) والناظم المعتمد لتحالفات الجبهة مع جهات تختلف معها على المستوى
الاستراتيجي، وكذلك حدد موقف الجبهة من مسألة إعلان الدولة الفلسطينية كنقطة ساخنة
كانت، وما زالت مطروحة على مائدة المهمات الفلسطينية الملحّة.
خلافات المعارضة عطّلت فاعليتها
*لنبدأ من المؤتمر الأخير الذي عقد في دمشق كرد على
اجتماع غزة لإلغاء الميثاق الوطني الفلسطيني. هل تعتقد أن الاجتماع الأخير في دمشق
الرافض لإلغاء، أو تعديل الميثاق الوطني الفلسطيني جاء في وقته أم جاء متأخراً؟
وإذا كان هناك تأخير فما هي الأسباب؟
** أعتقد أن المؤتمر الذي عُقد في دمشق جاء متأخراً
جداً، لأنه كان من الضروري أن يحدث الرد على نهج التسوية الاستسلامية منذ أوسلو،
وعليه فالشيء الذي حصل في دمشق مؤخراً (على أهميته) جاء في الحقيقة متأخراً.
الشيء الآخر المتعلّق بالشق الثاني للسؤال، بمعنى ما هي
الأسباب؟ في الحقيقة، إن قوى المعارضة، التي تعارض نهج التسوية الاستسلامية كانت
متفقة فيما بينها على معارضة أوسلو، لكن بعد ذلك لم يكن هناك أي اتفاق بينها حول
قضايا أساسية أخرى، على سبيل المثال: ماذا عن الموقف من م. ت. ف التي تمثّل
المرجعية للشعب الفلسطيني؟ هل تتم المعارضة من خلال م. ت. ف، أم يجب قيام جبهة
أخرى ليست لها علاقة مع منظمة التحرير؟ هذه المسألة ظلت قضية خلافية بين أطراف
المعارضة، ولأنها لم تُحسم فقد عطّلت آليات عملها.
من القضايا الخلافية الأخرى بين أطراف المعارضة أيضاً
مسألة العلاقة بين الداخل والخارج. البعض يرى أن الداخل هو الأساس، والبعض الآخر
يرى الخارج هو الأساس. نحن نقول بضرورة الجدل بين الداخل والخارج، والعمل على
إيجاد صيغ عملية للتفاعل والتعاون، لأننا نحتاج إلى جهود وطاقات كل أبناء شعبنا في
الداخل والخارج، مع الأخذ بعين الاعتبار أن نقطة الثقل الأساسية في هذه المرحلة،
تكمن في المواجهة اليومية التي يخوضها شعبنا ضد الاحتلال في الداخل. ومع ذلك لا
يجوز لنا التركيز على الداخل، وإهمال الخارج الذي يشكل 53% من الشعب الفلسطيني.
الخارج له مهمات، فلو رفع الخارج شعار: العودة، فمن الذي
يستطيع أن يعارض هذا الشعار؟! لا أوروبا، ولا اليابان، ولا أحد يستطيع أن يرفض حقي
في العودة إلى وطني، إلى أرضي، أنا أريد العودة إلى اللد، فمن الذي يمنع عني هذا
الحق؟ لا أحد يستطيع أن يرفض حقنا في العودة إلى أرضنا، فهل نهمل هذا الموضوع؟
عدد آخر من الموضوعات التي لم نتفق عليها. في الحقيقة،
هذه القضايا ليست بسيطة، هي قضايا إستراتيجية لم نتفق عليها.
عندما جاء اتفاق (الواي ريفر)، وضعنا جميعاً أمام ضرورة
مواجهة سريعة، لأنه أثار مخاوف تنذر بأن القضية برمتها تكاد تنتهي بعد إقدام
القيادة المتنفذة على إلغاء الميثاق الوطني الفلسطيني، وبالتالي كان لا بد من عمل
ما يواجه هذا الأمر، فكان مؤتمر دمشق.
دوافع التمسك بالميثاق
*ما هي الأسباب المحدّدة (حكيم) التي تدعوكم للتمسك
بالميثاق الوطني الفلسطيني؟ ثم ألا تعتقد بأن المس بذلك الميثاق بدأ منذ الموافقة
على البرنامج المرحلي.. وهل تعتقد أن ذلك الميثاق بحرفيته لم يزل صالحاً، أم أن
المطلوب البحث عن صيغة جديدة انطلاقاً من المتغيرات المستجدة؟
** هذا السؤال يحتوي على عددٍ من الأسئلة. نبدأ من
الأسباب التي تدعونا للتمسك بالميثاق. نحن لا يمكن أن نوافق في هذا الفترة بالذات
على تعديل أو إلغاء الميثاق، لأن الذي يطالب بالإلغاء، أو التعديل هو إسرائيل
وأمريكا. وبالتالي لو كان هذا هو السبب الوحيد لكان كافياً لأن نتخذ مثل هذا
الموقف. لكن بعد ذلك، في الحقيقة، هناك أسباب أساسية كثيرة أخرى: لو عدنا لقراءة
الميثاق، يمكن أن تتضح لنا، على سبيل المثال (وأنا لا أستطيع أن أطيل في لقاء صحفي
من هذا النوع بشرح كافة القضايا)، ولكن كمثال: قضية العمل الفلسطيني وارتباطه
بالقضية العربية. هناك نص أساسي واضح في الميثاق يقول بارتباط القضية الفلسطينية
بالقضية العربية. هذا النص يجب المحافظة عليه. موضوع الكفاح المسلّح، صحيح أنه بات
الآن من الضروري القول إن الكفاح ضد إسرائيل لا يجوز أن يكتفي، أو يقتصر على
الكفاح المسلح لكن لا يمكن التنازل عن هذا الحق، طالما أن إسرائيل ما زالت تقف
متعنتة أمام قضايا مثل قضية القدس، إضافةً لقضية المستوطنات واللاجئين والعودة و..
.. هل يمكن لإسرائيل أن تقبل بأي شيء يمس القدس التي تعتبرها (عاصمة أبدية لها)
إلا بالكفاح المسلح؟ هذه أمثلة فقط لعدد من القضايا في الميثاق تدعونا إلى التمسك
به، وهذه الأمثلة، هي ليست كل شيء. الشعب الفلسطيني مقسّم الآن. قسم منه يعيش تحت
حكم الاحتلال الإسرائيلي في منطقة الـ (48)، وقسم تحت إشراف السلطة (التي لا
أسميها أنا وطنية) وإنما سلطة فلسطينية، وقسم آخر في الخارج. المخطط الإسرائيلي
يهدف إلى استمرار تقسيم الشعب الفلسطيني وتفتيته، حتى لا يبقى هناك بعد عشرين سنة
فلسطينيون موحَدون تحت أي صيغة. الميثاق ينص على ضرورة توحيد الشعب الفلسطيني على
اختلاف أماكن وجوده. وهذا سبب آخر يدعونا إلى التمسك بهذا الميثاق، هذه القضايا
كما ترى قضايا أساسية لا يمكن المس بها.
التحالف.. والتعارض
*ألا تعتقد أن الأطراف التي شاركت في مؤتمر دمشق ومنها
الجبهة الشعبية، وفصائل اليسار الفلسطيني الأخرى، قد ساهمت في الوصول إلى اتفاق
أوسلو وما تلاه، بقدر ما ساهمت في تأخير الوصول إلى صيغة سياسية قادرة على مواجهة
السلطة الفلسطينية المسيطرة؟
**نحن كجبهة شعبية، عندما وقفنا أمام علاقتنا مع قيادة فتح،
التي تتمسّك الآن بقيادة منظمة التحرير، حدّدنا القانون الذي يحكم، أو الذي يجب أن
يحكم علاقتنا بهذه القيادة، وكان هذا القانون هو قانون التعارض والتحالف بآنٍ
واحد. لماذا؟ لأن التناقض الأساسي هو مع إسرائيل، وبالتالي، لا نستطيع في الحقيقة
أن نكون ممزقين في فترة كفترة الانتفاضة مثلاً.
إذا أخذنا فترة الانتفاضة على سبيل المثال، هل من الممكن
أن تكون علاقتنا مع فتح على أساس التعارض؟
الإجابة طبعاً: لا. كان يجب في الحقيقة أن نكون موحدين.
هذا هو القانون الذي حكم علاقتنا مع قيادة فتح. قانون التعارض أحياناً والتحالف
أحياناً أخرى. هذا الموضوع كان قائماً، وضرورياً وسليماً، حتى حصل اتفاق أوسلو،
لأن أوسلو من وجهة نظري جعل (أبو عمار) في صف آخر، (ليس بمعنى أنه في المعسكر
الآخر). هنا، من الممكن القول: إنه منذ أوسلو كان من الضروري أن نحسم هذا الأمر
كلياً، لكن، ما قبل أوسلو، أعتقد أن القانون الذي رسمته الجبهة هو القانون العلمي،
السليم، الذي كان يجب أن نتمسّك به، وهناك أمثلة كانت تؤكد وحدتنا كشعب فلسطيني
لكن في فترات أخرى كان من الضروري التعارض. خذ مثلاً قضية النقاط العشر. نحن
عالجنا هذا الأمر من خلال إقامة جبهة الرفض. هذا الموضوع لا يجوز أن يحاكم على
أساس نظري فقط، لأنه ما من أحد يستطيع – على الصعيد النظري – أن يعترض على تحرير
أي جزء من الوطن وبالتالي إقامة دولة، هذا الموضوع يجب أن يحاكم – برأيي – على عدد
من النقاط الأساسية:
1) بالدرجة الأولى ميزان القوى، بمعنى هل يتيح لنا تحقيق
تسوية تحقق الحد الأدنى من الحقوق الوطنية؟ أن يتيح للعدو فرض شروطه ومفهومه
وبالتالي فرض تسوية استسلامية.
2) طبيعة القيادة: التي ستدخل عملية التسوية والقيادة
الفلسطينية أرادت من النقاط العشرة والهدف المرحلي أساساً تستند عليه لتمرير نهجها
الاستسلامي عبر تقديم التنازلات تلو التنازلات.
3) الإطار: أي إطار المفاوضات، وهذا كان من الضروري أن
يكون الإطار والمرجعية هي الأمم المتحدة ومؤسسات الشرعية الدولية والقرارات
الصادرة عنها بخصوص القضية الفلسطينية، ابتداءً من قرار التقسيم مروراً بحق العودة
وليس انتهاءً بحق الشعب الفلسطيني في استعادة حقوقه بكافة الوسائل.
4) الهدف من المفاوضات: وهنا تبرز أهمية تحديد الهدف من
المفاوضات، أي كان على الجانب الفلسطيني أن يحدد الهدف النهائي من المفاوضات وهو
إقامة الدولة الفلسطينية وعاصمتها القدس الشريف، وكامل السيادة وحق العودة.
إن المسؤولية الكاملة عن اتفاقات أوسلو وما تلاها
تتحملها القيادة المتنفذة وحدها ومن سار معها وليس من المعقول أبداً أن تتحمل
الأطراف التي تصدت لهذا النهج وحاولت منعه والحد منه، أن تتحمل أي مسؤولية.
ماذا.. بعد؟
*حكيم، على ضوء مرور فترة زمنية لا بأس بها على المؤتمر
الوطني الأخير بدمشق. ما هي الأهداف المأمولة من هذا المؤتمر؟ وهل هناك إمكانية
لتحقيق إنجازات فعلية قادرة على التصدي للانهيارات التي طالت القضية الفلسطينية؟
أم أن ذلك الاجتماع كان مجرد موقف للتاريخ؟
** لقد وقف مكتبنا السياسي أمام هذا السؤال بالذات، وناقض
هذا الموضوع، وطُرحت آراء تقول: بأنه لا يمكن أن يمر موضوع اتفاق (الواي ريفر)،
دون أن يعلن الشعب الفلسطيني عن رفضه لهذا الاتفاق وأن يسمع العالم بمن فيهم
كلينتون، أن الشعب الفلسطيني يرفض أن تبت قيادته بهذا الموضوع: وهي لا تجسد
تطلعاته بهذا الشأن. كان لا بد من التعبير عن هذا الموقف، وهذا معناه: حتى لو أن
الهدف من عقد المؤتمر قد اقتصر على تسجيل موقف للتاريخ، فهذا ضروري بحد ذاته، ويجب
تسجيل مثل هذا الموقف. لكن بعد ذلك، وخاصة في الاجتماعات الأولى التي بدأنا خلالها
التوقّف من أجل التحضير للمؤتمر، طُرح موضوع: وماذا عن ما بعد المؤتمر؟ وهل الهدف
من المؤتمر تسجيل موقف للتاريخ فقط. هذا الموضوع طُرح من قبل عدد كبير من
المستقلين، وطُرح موضوع الثورة الفلسطينية وأزمة منظمة التحرير الفلسطينية وضرورة
معالجتها.
من ناحيتنا ارتحنا كثيراً لهذا الموقف، خاصة وأنه مطروح
من قبل شخصيات مستقلة لها احترامها ووزنها، وكنا مستعدين كجبهة أن نسير بهذا الخط
حتى لا نكتفي بتسجيل موقف للتاريخ. ومن هنا جاءت فكرة لجنة المتابعة التي نعمل على
إنجاحها بقدر الإمكان.
طبعاً أزمة الثورة الفلسطينية، وأزمة المعارضة الآن قضية
كبيرة جداً، لكن من الضروري أن نقف عندها، ونجد الوسائل لمعالجتها.
إعادة بناء م. ت. ف.
*هل المطلوب الآن، وهل بالإمكان إعادة بناء منظمة تحرير
فلسطينية، ثبت فشلها على أي حال، أم المطلوب هو البحث عن تجمع فلسطيني شعبي، وطني
يعمل بأشكال جديدة وفي شروط جديدة؟
** م. ت. ف. الآن هي التي تمثل الشعب الفلسطيني ووحدته،
وميثاق الشعب الفلسطيني بشكل خاص هو الذي يحدّد الأهداف الإستراتيجية لهذا الشعب،
إذ لا يمكن توحيد الشعب الفلسطيني إلا من خلال منظمة التحرير وميثاقها وبرنامجها،
من هذه الزاوية نقول وندعو إلى ضرورة التمسك بالمنظمة.
لكن المشكلة، أن قيادة هذه المنظمة انحرفت الآن عن
برنامجها وميثاقها، على ضوء ذلك، هل نظل نقول: منظمة التحرير، منظمة التحرير فقط.
وجهة نظرنا تقوم على أساس ضرورة تصحيح أوضاع منظمة التحرير، وتغيير قيادتها من
خلال العمل الديمقراطي. نحن نريد التمسّك بمنظمة التحرير وبرنامجها وميثاقها،
ولكننا في الوقت نفسه نحن مع التغيير الديمقراطي وفي هذا الإطار تستخدم الجبهة
الشعبية شعار: إعادة بناء م. ت. ف. على أساس ديمقراطي، وعلى أساس الميثاق
والبرنامج الوطني، والديمقراطية التي نعنيها أن ينتخب الشعب الفلسطيني ممثليه، وأن
يلغى التعيين. طبعاً هناك فصائل لا توافقنا على هذا الرأس وترى أن منظمة التحرير
انتهت.
على ضوء المقدمات السابقة يمكن تكثيف موقفنا بشقين:
1- إقامة جبهة وطنية عريضة تضم كل القوى والشخصيات
المعارضة للنهج التسووي.
2- العمل باستمرار ومن خلال الحوار على أساس إقناع القوى
التي لا تتفهم وجهة نظرنا بأهمية م. ت. ف. وضرورة التمسك بها وإعادة بنائها على
أساس ديمقراطي.
لا يجوز اليأس
*الإجابة السابقة «حكيم» تحيل إلى السؤال: هل الوضع
الراهن للتنظيمات الفلسطينية، وتمترسها، غالباً وراء ممارسات وتصورات وبرامج
متكلسة، ومتناقضة، يسمح بدمجها فعلياً في إطار عمل سياسي جديد؟
** لا يجوز لنا أن نيأس بأي شكل من الأشكال، نحن نناضل،
ونناضل باتجاه معين، وبالتالي عندما تأتي قوى، أو تنظيمات وتتفق معنا حول برنامج،
أو رؤية إستراتيجية، يجب أن يستمر الحوار معها حول التكتيك الملائم الذي يجب أن
نتبعه لخدمة هذا الإستراتيجية.
الحوار ضرورة
*طبعاً ما تحدثت عنه يتطلب حواراً، لكن إطلاق الدعوة
للحوار تبقى صرخة في واد ما لم تنطلق من إيمان فعلي بمشروعية التعدد والتنوع
والجدل. هل ترى أن هناك هوامش ومساحاتٍ مشتركة بين الفصائل والتيارات الفكرية
والسياسية الفلسطينية تشكّل أرضية لمثل ذلك الحوار؟
** الحوار ضرورة باستمرار، يجب أن يستمر الحوار،
باستثناء فترات معينة، نشعر معها أن استمرار الحوار لا يؤدي إلى نتائج إيجابية، بل
على العكس قد يؤدي إلى نتائج سلبية. مثلاً، نحن رغم كل سلبيات (أبو عمار) العديدة،
وعدم اتفاقنا معه حول قضايا عديدة، قلنا، سنستمر بالحوار معه، وخاصة بعد استلام
الليكود، وصعود نتنياهو، لأننا شعرنا بأهمية الحوار وضرورة استمراره بقوة في تلك
الفترة، لكن بعد ذلك، وجدنا أن عرفات يريد الحوار لمجرد الحوار ولتمرير ولتغطية
سياساته، وخاصة بعد اتفاق الواي.
نحن الآن لا نشعر أن هناك فائدة من استمرار الحوار مع
(أبو عمار). أما القوى الأخرى الواقفة ضد اتفاق الواي فمن الضروري استمرار الحوار
رغم وجود العديد من الخلافات معها.
يجب توحيد الشعب الفلسطيني
*هل ترى «حكيم» أن من الممكن الوصول إلى صيغة توحّد
الفلسطينيين سياسياً بعد أن ساهم العمل السياسي السابق في دفعهم إلى التشتت
والإحباط؟ وخلق لهم مرجعيات جغرافية مختلفة: خارج / داخل، الضفة / غزة، عرب 48 /
عرب البلدان العربية، بعد أن كانت لهم مرجعية سياسية موحدة حتى منتصف الثمانينيات؟
** أعتقد أنني أجبت على هذا الموضوع، بمعنى أنه لا بد من
توحيد الشعب الفلسطيني، وطبعاً باستثناء القوى التي انحرفت كلياً وسارت باتجاه
التسوية الاستسلامية وكأنها أصبحت في معسكر آخر.
نحن نعمل الآن على أساس توحيد الشعب الفلسطيني الموجود
في أراضي الـ 48، والضفة وغزة، والأردن وسوريا ولبنان.
توحيد كل الشعب الفلسطيني ضرورة على أساس ميثاق منظمة
التحرير الفلسطينية، ولا نستطيع أن نهمل ضرورة العمل المتواصل لاستعادة وحدة الشعب
الفلسطيني على هذه الأسس.
حالياً نعمل على توحيد الشعب الفلسطيني على أساس
البرنامج الذي وضع بدمشق، والذي يؤكد على الميثاق والبرنامج الوطني.
التغيير.. يتم بالرؤى والبرامج
*هناك من يرى أن التنظيمات الفلسطينية القديمة قد
استنفدت وانتهى دورها، وأنها أصبحت عقبة أمام العمل الوطني أكثر منها أداة قائدة
لذلك العمل. كيف تنظر إلى ذلك؟
** بالمعنى العلمي هناك شق من السؤال يجب أن أوافق عليه،
لأنه فعلاً وعلمياً توجد أسماء، ويوجد بعض قيادات، لا يمكن أن تنهض. لكن هذا يتوقف
على ما تطرحه الجبهة، أو على ما يطرحه بعض المفكرين والمثقفين التقدميين
الفلسطينيين. مثلاً إذا قالوا: إن هناك فشلاً، وإذا اعترفت أنا بالفشل، لماذا لا
تأتي الجبهة مثلاً وتقول: إن هذا كان خطأً وفشلاً.. إلخ. لماذا لا أستفيد مثلاً من
هذه القوة التي اسمها الجبهة لتستنهض قوة جديدة. هذا الموضوع بتقديري يتوقف على
القوى التي ترغب في تجديد نفسها، والموضوع برأيي ليس موضوع أسماء، أو أشخاص، وإنما
موضوع برامج، وتفكير، ومواقف سياسية. برأيي هذا هو الموضوع، وليس أن هذا الاسم، أو
هذا الشخص انتهى. يجب أن نعترف بأن قوى عديدة فشلت.
ولكن، إذا اعترفت هذه القوى بفشلها، يجب أن يتم
الاستفادة منها ومن تجربتها من قبل الشعب الفلسطيني والثورة الفلسطينية، لأنها
بهذا المعنى تملك الاستعداد لتجديد نفسها، ولأن الأشياء ستفرض نفسها، مثلاً، إذا
كانت هناك الآن قوى تشكّل وزناً كبيراً، وقامت هذه القوى بنقد نفسها، وإذا اعترفت
بفشلها، فإن ذلك يفضي لاستعدادها لتجاوز فشلها عبر تصحيح مواقفها، وتجديد نفسها،
مما سيفضي إلى اندماجها مجدداً بشكلٍ صحيح في مسار الثورة، وهذا بحدّ ذاته مكسب
للثورة وللشعب الفلسطيني سيفرض نفسه، ولكن، لا يجوز بتقديري أن نأخذ الموضوع فقط
على أساس أن هناك قوى فشلت وانتهت. أنا لا أوافق على هذا الرأي، أو هذه الصيغة.
المهم أن تمتلك تلك القوى الشجاعة على الاعتراف بفشلها وأن تمتلك أيضاً الاستعداد
لتغيير نهجها الذي انتهى بها إلى الفشل.
*في سياق التلميح حول ضرورة التجديد الذي أشرت له الآن –
إذا لم تخني الذاكرة – كان يُنظر إلى التجديد في المؤتمر السابق للجبهة من خلال
ضرورة تطعيم القيادات والكوادر بنسبة مئوية ما كدماءٍ شابة ترفد تلك القيادات
والكوادر. هل ترى أن هذا الشكل من أشكال التجديد كافٍ أم هناك ضرورة لتجديد أساليب
العمل والرؤية؟
** التجديد لا يمكن أن يتم من خلال الأشخاص فقط. التجديد
يجب أن يتم من خلال الرؤية، من خلال البرامج، من خلال البنية التنظيمية. بمعنى
الهيئات، ومن خلال الأشخاص أيضاً. هذا هو الموضوع الذي نقف أمامه.
التجارب علّمتنا
*يُشاع أن هناك تعدّدات، ربما تناقضات في وجهات النظر
راهناً بين أطراف داخل الجبهة، وخاصة بين الداخل والخارج، ما مدى صحة ذلك، وإذا
وجد هل هو تعدّد ضمن الوحدة أم هناك احتمال ما لتصدّع داخل الجبهة؟
** يجب أن تعلم أن الشيء الذي حصل في السبعين علّمنا
الكثير، ومن الصعب جداً بالتالي أن يحصل الشيء الذي حصل في بداية عمل الجبهة. نحن
تعلمنا من خلال تجاربنا، كيف يمكن لنا أن نعالج التعارضات والخلافات بالرأي من
خلال الحوار، والاستمرار بالحوار، مع التمسك بالثوابت. أنا طبعاً أشير إلى
الانشقاقات، أو (الانشقاقين) الذين حصلا في الجبهة.
الآن نعرف من التجربة، كيف نعالج وجهات النظر من خلال
الحوار ومن خلال التمسّك بالثوابت.
*لدى انطلاقة المقاومة الفلسطينية في الستينيات اعتمدت
أشكالٌ من النضال (الكفاح المسلح، الحرب الشعبية طويلة الأمد، ملاحقة العدو في كل
مكان)، وذلك انطلاقاً من معطيات فلسطينية وإقليمية ودولية قد تغيّرت الآن بالعمق،
مما يحيل على ضرورة اعتماد أشكال جديدة لمواجهة العدو الصهيوني انطلاقاً من تلك
المتغيرات. كيف تنظرون إلى ذلك؟
** صحيح، في بداية العمل الثوري كان هناك تأكيدات مستمرة
على الكفاح المسلّح وكأنه العمل أو الشكل النضالي الوحيد. مسيرة الثورة (وليس فقط
المتغيرات الأخيرة التي ذكرت) أفرزت ضرورة الأخذ بعين الاعتبار الاستمرار بكافة
أشكال النضال. الكفاح المسلّح يستمر، لكن ماذا عن العمل الانتفاضي؟ وماذا عن العمل
الجماهيري؟ وماذا عن العمل الدبلوماسي.. إلخ. استمرار كل أشكال النضال هو ضرورة،
لكن طبعاً في كل مرحلة من المراحل يمكن التركيز على شكلٍ من هذه الأشكال أكثر من
غيره..
رؤية واضحة للتناقضات
*ما هو الناظم الذي يحكم تحالفاتكم، أو تعاونكم مع جهات
تختلفون معها استراتيجياً (حماس – الجهاد الإسلامي)؟
** المهم أن تكون رؤيتنا للتناقض الرئيسي واضحة. تناقضنا
الرئيسي والأساسي مع العدو الصهيوني وحليفته الولايات المتحدة الأمريكية.
نحن على استعداد للتحالف مع كافة القوى التي توافق معنا
على أن هذا التناقض هو التناقض الرئيس وسواء كانت هذه القوى إسلامية، أو إقليمية فنحن
نرحّب بها. المهم أن تلتقي معنا حول هذه الرؤية. أما الخلافات التكتيكية التي قد
تنشأ. فنعالجها من خلال استمرار الحوار.
*أشرت «حكيم» إلى موضوع «الدولة» وهو موضوع ساخن الآن،
فما هو موقفكم من مسألة إعلان الدولة؟
** كما ذكرت في بداية الحديث: لا يوجد فلسطيني يمكن أن
يعترض على إقامة الدولة. ولكن يجب أن نعرف لماذا تصر قيادة (أبو عمار) على إثارة
هذا الموضوع الآن؟ وهل هناك مقومات فعلية لإقامة هذه الدولة؟.
هم يطرحون هذا الموضوع لتغطية الفشل الذي وصلت إليه
سياساتهم.
من ناحية ثانية، أنا أطالب كل فلسطيني أن يقف أمام
مقومات الدولة، إذا كانت هناك مقومات دولة فهذا ممتاز، ولكن إذا لم تكن هناك
مقومات فيجب أن نعرف لماذا لم تتوفر هذه المقومات، وما هو السبيل لتحقيقها؟
أول مقومات الدولة، هي السيادة، وهي إلى الآن مفقودة،
مسألة الأرض أيضاً غير محدّدة حتى الآن، هناك مقومات أساسية لإقامة الدولة وهي غير
متوفرة حتى الآن والتي أساسها السيادة.
أنظر بعين الشك إلى العولمة
*كثير من الأفكار تدور هنا وهناك حول «العولمة» وتأثيرها
على صعيد الاقتصاد والسياسة والثقافة، كيف تنظرون إلى هذه المسألة كمفهوم وكنهج؟
وما هي برأيكم المخاطر والمنافع التي يمكن أن تتحقق جراء اجتياح هذه النظرية؟
علماً بأن الصراع مع العدو الصهيوني في أحد جوانبه هو صراع علمي وحضاري؟
** أولاً، ما هو المقصود بالعولمة؟ هل المقصود تواصل
الشعوب وتفاعلها على المستوى العالمي؟ أم ثورة العلوم والاتصالات التي حولت العالم
إلى قرية صغيرة كما يقولون، أم المقصود هو الفهم الأمريكي للعولمة، التي تعني
هيمنة الغرب وسيطرته، وخصوصاً الولايات المتحدة الأمريكية التي تعمل على فرض قوتها
وثقافتها ومعاييرها على العالم؟
إن المفهوم الأول، يستدعي التواصل، والتفاعل والتكامل
بين الأمم والشعوب والحضارات والثقافات، أما المفهوم الآخر فيتطلب المقاومة
والممانعة كونه يهدد فعلاً حرية الأمم والشعوب، لأنه يقوم على أساس الهيمنة
والتفوق، ومنطق القوة والقهر، وجعل النموذج الرأسمالي الغربي عامة، والأمريكي خاصة
هو المعيار. فهو يقوم على نفي حق الآخر في التمايز والاختلاف، ويبرر السيطرة. إنه
بهذا المعنى تعبير عنصري فاشي، يرى في العالم الثالث ميداناً للنهب وسوقاً
للاستهلاك، لا يحق له الإنتاج إلا وفق معايير العالم الرأسمالي، أي تحويلنا إلى
مستهلكين للإنتاج الغربي، وللثقافة الغربية واستلابنا الكامل، والقطيعة مع تاريخنا
وحضارتنا وثقافتنا.
أما العولمة بالمعنى الإيجابي، أي التفاعل والتواصل
والتكامل فهي ضرورة تنسجم مع قيمنا وحضارتنا، واحترام تراثنا وتاريخنا وخصوصيتنا
وإنسانيتنا، ويواكب التطورات العلمية التي حققتها البشرية بشرط امتلاك شروط وأدوات
التفاعل والتواصل، مما يفضي لضرورة تأهيل كافة البنى التحتية والفوقية لتكون قادرة
على المستوى التقني والديمقراطي للقيام بتلك المهمات. فالأدوات والأجهزة
الكومبيوترية والالكترونية ليست سلعاً متميزة للاقتناء فقط، بل أيضاً امتلاك
إمكانيات حقيقة لاستخدام تلك الأدوات وكيفية توظيفها.
بكل الأحوال، أنا أنظر بعين الشك إلى ترويج مفهوم
العولمة على النحو السائد الذي غالباً ما يرمي لمحو الخصوصيات الثقافية، وتذويب
الهوية الوطنية للشعوب، وترويج قيم الاستهلاك، والمعايير الأمريكية وثقافتها. وما
المحطات الفضائية التي تغزو العالم ببرامجها، ودعاياتها وإعلامها إلا الوسيلة
المخدرة لدغدغة أحلام البشر، وإلهاء الشعوب عن قضاياها، وإغراقها بأوهام الرفاهية،
وأنماط العيش على الطريقة الأمريكية، في حين أنها تغوص أكثر فأكثر في وحل بؤسها
وفقرها، بينما تتمركز الثروة العالمية في أيدي قلة قليلة ممن باتوا يتحكمون بمصائر
الشعوب وتراثها وحياتها ومقدراتها.
جبهة العمل الثقافي والمشروع النهضوي العربي
*في أكثر من مناسبة أكدتم على دور الثقافة في مواجهة
الهزائم العسكرية والسياسية التي تعرضنا لها، مما يشير لرهانكم الدائم على دور
الفكر والثقافة في إعادة إحياء المشروع النهضوي العربي الذي سيحقق الإمكانيات
لاستعادة زمام المبادرة، كيف تنظرون إلى ذلك، وما مدى صحة توجهاتكم لإنشاء مركز
دراسات متخصص بقضايا الصراع العربي الصهيوني؟..
** نعم المعركة الثقافية الآن، وربما لعقود قادمة، باتت
تأخذ أهمية أساسية واستثنائية ونحن نراهن عليها، لأنها ترتبط لدينا بالمشروع
النهضوي العربي، الذي بدأ مع سلسلة المفكرين التنويريين من رفاعة الطهطاوي، وعلي
عبد الرازق، والكواكبي، وعبد الله النديم، وطه حسين، ورئيف خوري، وقسطنطين زريق
مروراً بكل رموز المثقفين الوطنيين (غسان كنفاني، ناجي العلي، مهدي عامل، حسين
مروّة.. ..) الذين قضوا وهم يدافعون في ثقافتهم عن الخبز، والكرامة الإنسانية،
والهوية القومية، ضد ثقافات أخرى حاولت أن تقدم أجوبة وهمية لأسئلة أكثر وهمية،
إمعاناً منها في التضليل وتشويه الحقائق.
المسألة بنظري سيرورة نضالية مستمرة، تتشكل خلالها
الثقافة الوطنية – القومية، عندما تجعل من موضوع العدو القومي مرجعاً لها، حيث
تطرح أسئلة الهزيمة، وتكشف تاريخ الهازم والمهزوم، والسببية متعددة الأبعاد التي
أعطت نصراً وهزيمة، والأسباب المتعددة التي تساعد المهزوم على التصدي المتواتر
للعدو الذي هزمه. بمعنى آخر إننا ننظر إلى المسألة من زاوية الصراع بين تاريخ
الاجتياح الاستعماري للعالم، بما فيه تاريخ الغزوة الصهيونية لفلسطين والمنطقة
العربية، والتاريخ الآخر المقاوم له، وهو موضوع الثقافة الوطنية في أجناسها
المختلفة.
إن الثقافة الوطنية كما نفهمها هي دعوة إلى أشكال جديدة
من المعرفة، تعارض في معناها ووظيفتها أشكال القول السائدة التي تبرر الاستبداد،
وتؤدلجه، ولذلك فهي دعوة إلى الحرية والديمقراطية والعقلانية، التي تتيح للإنسان
الحر، حرية التفكير والقول، والعمل، لأن الحرية بهذا المعنى هي العتبة الأولى التي
تطلق طاقات الإنسان الفلسطيني والعربي والأمة والشعب، وتجعلهم مقاتلين حقيقيين من
أجل العدالة، ومقاومين حقيقيين في سبيل تحرير الوطن من الغزاة المحتلين.
إن الحفاظ على الهوية الوطنية، والجذور الثقافية
والتراثية، هو في صلب مهماتنا، لأن المشروع الصهيوني النقيض يقوم على محو تراثنا،
وتهويد أرضنا وتدمير معالم المدن والمقدسات، والسطو على مخزوننا التراثي والثقافي
والروحي، من فنون وفلكلور وأزياء ونسبتها إليه، إن عملنا على صعيد الجبهة الثقافية
يستدعي صراعاً على مستويات متعددة، ومتشابكة في مختلف الحقول، مما يستدعي الدفاع
عن حرية الإبداع، والتعدد وحماية التاريخ والتراث وروح الأمة، بعيداً عن الانغلاق
والعزلة المقيتة، وهو بهذا المعنى فعل مقاوم يشتق مفهوم الهوية كونه مشروعاً
نقيضاً لمشروع الغزوة الصهيونية، وبالتالي فإن بلورة مشروع نهضوي عربي متكامل هو
ضرورة ملحة لمجابهة المشروع الصهيوني. من هنا فالاشتباك تاريخي والصراع قائم
ومستمر، والمقاومة التي تحدد ممارسة الإنسان الفلسطيني والعربي المقاوم هي التي
تحدد هويته، بوصفها هوية إنسانية متحررة، وهي تستدعي الإنسان المتحرر أولاً،
وتستدعي لاحقاً كل الصفات القومية والجغرافية والتاريخية التي تنتج سلوكاً يسهم في
هزيمة المشروع الصهيوني في علاقاته كلها.
على ضوء هذه الرؤية، نفكر فعلاً بإنشاء مركز دراسات يعنى
بقضايا النضال العربي بشكل عام، والفلسطيني بشكل خاص، باعتبار أن الشعب الفلسطيني
يحظى بدور استثنائي وأولي في مواجهة المشروع الصهيوني، والغاية الأساسية لهذا
المركز هي: إعادة قراءة التاريخ والتجربة بعقل نقدي، علمي وهادئ إلى أبعد حد، وذلك
للمساهمة بارتقاء رؤية وأداء قوى النضال العربي إلى مستوى الأداء والمعايير اللذين
يضبطان ممارسة المشروع النقيض. ذلك أن مغادرة حالة التخلّف وتلقي الهزائم إلى
مرحلة النهوض والتقدم والانتصار، مرهونة بفهم الصراع – كما قلت – كصيرورة شاملة،
وكعملية اشتباك تاريخي مما يفرض الربط العضوي بين الممارسة السياسية، الاجتماعية
لحوامل المشروع النهضوي العربي، والانضباط للمعايير العلمية في قراءة الواقع،
والمعطيات التاريخية والراهنة والمستقبلية.
الإجابة على سؤال الهزيمة
*سؤالنا الأخير: تستعد الجبهة الشعبية الآن لعقد مؤتمرها
السادس. ما هو الجديد الذي تتوقعونه من ذلك المؤتمر، وهل سيكون المؤتمر قادراً على
تحديد المقومات الأساسية للواقع الفلسطيني الراهن بكل تعقيداته ومآلاته والمهمات
المرتبطة بتغييره؟
** هذا موضوع كبير جداً لأن الوضع الفلسطيني والعربي
يتطلب تفكيراً جديداً يقوم على أساس أن الفشل والهزيمة شملنا جميعاً، أبو عمار
والقيادة المتنفذة فشلت والمعارضة ومن ضمنها الجبهة الشعبية فشلت أيضاً مع ضرورة
التمييز بين فشل القيادة المتنفذة التي قبلت بالهزيمة وسارت بالتسوية الاستسلامية،
وبين فشل المعارضة التي لم ترفع راية الاستسلام، ولا زالت متمسكة بأهدافها، وتسعى
للبحث عن أسباب الهزيمة، ومعالجتها لتتمكن من الاستمرار بنضالها، بانطلاقة جديدة
مستندة على تقييم ونقد التجربة الماضية.
ومن هنا تأتي خصوصية المؤتمر الوطني السادس للجبهة
الشعبية، فقد كانت المؤتمرات السابقة تقف أمام تقييم مسيرة عمل وتحدد مهمات ما بين
مؤتمرين، أما هذا المؤتمر فخصوصيته نابعة من كونه سيقف وقفة تقييم ومراجعة نقدية
شاملة بجرأة وعلمية، لمسيرة خمسين عاماً من النضال الفلسطيني والعربي، انتصر
خلالها المشروع الصهيوني وهزمنا جميعاً، فلسطينياً وعربياً.
ومن أولى مهام المؤتمر أن يسعى لإعمال العقل والفكر
للإجابة عن السؤال الأساسي وهو لماذا هُزمنا؟ لماذا انتصر المشروع الصهيوني؟ (حتى
الآن طبعاً).
إن محاولة الإجابة عن هذا السؤال سيضعنا على العتبة
الصحيحة لرسم برامج عمل واضحة وخطط جادة، وآمل أن يتمكن المؤتمر من محاولة الإجابة
عن هذا السؤال، وهنا أود الإشارة لنقطة غاية في الأهمية وهي أن مهمة الإجابة عن
هذا السؤال لا تتوقف على محاولة المؤتمر السادس للجبهة، بل هي مهمة كل القوى
والفصائل والأحزاب الفلسطينية والعربية، ومهمة كل المثقفين الفلسطينيين والعرب.
يجب علينا جميعاً أن نسهم في الإجابة عن هذا السؤال
الكبير والأساسي، وأنا شخصياً لا أرى أي إمكانية جدية لبلورة مشروع نهضوي عربي
متكامل حتى نستطيع هزيمة المشروع الصهيوني ودحره.