الجمعة، 16 سبتمبر 2011

كلمة الدكتور جورج حبش في المجلس الوطني الفلسطيني عام 1991


د. جورج حبش في كلمته أمام المجلس الوطني الفلسطيني :
فلنرفض مشروع الاستسلام الأمريكي ولنثبت مشروع السلام الفلسطيني
أطفال الحجارة يريدون دولة ذات سيادة وليس حكماً ذاتياً !
الوحدة الوطنية أساسها الثوابت الفلسطينية
الهدف 29 / 9 / 1991              

ألقى الرفيق جورج حبش الأمين العام للجبهة الشعبية لتحرير فلسطين , كلمة هامة في المجلس الوطني الفلسطيني , حدد من خلالها مجموع الثوابت الفلسطينية , والخطوات المطلوبة لتصليب الموقف الفلسطيني في وجه الضغوطات الأمريكية وغيرها وفيمايلي نص الكلمة :
السيد رئيس المجلس الوطني والأخوة أعضاء هيئة الرئاسة
الأخ أبو عمار رئيس دولة فلسطين
رئيس اللجنة التنفيذية
أيتها الأخوة والأخوات
سأتناول في مداخلتي موضوعين اثنين :
الأول : مراجعة وتقييم السياسة التي اتبعتها قيادة منظمة التحرير الفلسطينية منذ المجلس  الوطني التاسع عشر .
والثاني : الوضع السياسي الذي نعيشه الآن ومؤامرة التصفية وأقول مؤامرة التصفية وليس مؤتمر سلام كما تقول وسائل الإعلام والتي تحيكها الإدارة الأمريكية لقضيتنا الفلسطينية وتحديد الموقف منها . وضرورة دحرها تمهيداً لإعادة الحياة لمبادرة السلام الفلسطينية من وجهة نظرنا كجبهة ليس على أساس قرار 242 , وإنما مبادرتنا القائمة على أساس كل القرارات 181 ,194 , 326 , 3762 الشرعية الدولية بكل قراراتها بما في ذلك وأهمها قرار العودة وتقرير المصير وإقامة الدولة الفلسطينية .

أيتها الأخوات ..أيها الأخوة :
إن انتفاضة شعبنا في الداخل نقلت أو جعلت شعار الدولة الفلسطينية ينتقل من حيز الإمكانية التاريخية إلى حيز الإمكانية الواقعية . ومنذ أن انتقل نضالنا للداخل وأصبح الداخل الحلقة المركزية بالنضال الوطني الفلسطيني ثم منذ أن هبت كل جماهيرنا , أطفالاً ورجالاً ونساءً وأخذت الانتفاضة طابعا الشعبي الجماهيري الديمقراطي , منذ تلك اللحظة أصبحنا نتلمس أن شعار الدولة الفلسطينية أصبح قائماً وممكناً تطبيقه بالمدى الزمني المرئي وتذكرون أن الملك حسين شعر بمعنى الانتفاضة , ومضامينها التاريخية وبالتالي أخذ قراراً بفك الارتباط , وبعد ذلك اجتمعنا نحن هنا بالمجلس الوطني الفلسطيني , وأمام الانتفاضة وروعة الانتفاضة ومعاني الانتفاضة ومضامين الانتفاضة , وأعلنا إعلان الاستقلال , ولم يكن هذا بالصدفة لا من قبل الملك حسين ولا من قبل المجلس الوطني الفلسطيني , وإنما هذا حصل لأن الدولة الفلسطينية انتقلت من حيز الشعار الممكن , إلى حيز الشعار الواقعي ومنذ ذلك الوقت كان هناك رؤيتان وتصوران لكيفية تحقيق هذا الشعار , أي الدولة على الأرض , وكيفية نقل هذا الأمل إلى الواقع الملموس .
كان هناك تصور معين للقيادة الرسمية لمنظمة التحرير الفلسطينية , وكان هناك تصور آخر لبعض القوى الفلسطينية التي شكلت منذ ذلك ما أسميتموه أنتم قوى المعارضة ومن ضمنها الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين . " هنا حصل تدخل من أبو عمار وقال : أنتم جزء من القيادة الفلسطينية " . وتابع الأمين العام ولكن أرجوك أن لا تنسى أن الجبهة لم توافق على أول تنازل قدم بالاعتراف بقرار 242 من هنا فلنقل هدف المراجعة هو أن تحصل الفائدة , لنا جميعاً لنضالنا وقضيتنا وشعبنا , ولا يمكن , أرجوكم أن تتأكدوا أنه لا يمكن أن يكون لنا هدف آخر غير هذا الهدف .
أيها الأخوة , اسمعونا جيداً . قد تقولون أن كل ما سأقوله ليس صحيحاً , أنا فقط أرجوكم أن تستمعوا وتحاكموا وتفكروا جيداً بما سأقوله الآن . ماذا كان تصور قيادة منظمة التحرير الفلسطينية  حول تحقيق هذه الدولة التي أصبحت في حيز الإمكان كيف ستحقق . كان ذلك قائماً على أساس أن استمرار الانتفاضة مضافاً إليها استمرار التأييد الدولي والعربي , وفي ظل  مناخ الانفراج الدولي , سيؤدي قريباً إلى تحقيق الدولة وقيامها .
ولكي تسهل القيادة هذه العملية السياسية وتسرع بها من المفيد – بل من الضروري – تقديم التنازلات التي أسميناها نحن في الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين في ذلك الوقت تنازلات مجانية نقدمها دون أن نقبض ثمناً لها . وهذا يفسر الاعتراف بقرار 242 تحديداً ثم الاعتراف بحق اسرائيل في الوجود ,, ثم إعلان التخلي عن "الإرهاب " ثم إبداء الاستعداد لإجراء تعديلات في ميثاقنا الوطني وإقامة دولة منزوعة السلاح إلى آخر ما هناك من التنازلات التي قدمت في تلك الفترة ظناً من القيادة أنها بهذه السياسة – سياسة التنازلات – من الممكن أن تسرع في إقامة الدولة الفلسطينية , ومن الطبيعي في هذه الحالة أن يترتب على ذلك اعتبار العمل الدبلوماسي والسياسي , اعتباره الحلقة المركزية في نضالنا . هذا هو التصور . هذا هو التكتيك وهذه هي الحلقة المركزية أي الحلقة الدبلوماسية والسياسية . الآن يحق لنا أن نحاكم بصدق وإخلاص وتجرد وليس بهدف التجريح , فقط أن نحاكم هذه السياسة – فما كانت النتيجة – ماذا كانت نتيجة التصورات ؟ وماذا كانت نتيجة هذه السياسية أو  هذا التكتيك ؟ وماذا كانت نتيجة هذا البرنامج النضالي الذي قام على أساس اعتبار أن العمل الدبلوماسي والسياسي الحلقة المركزية في نضالنا ؟
أعتقد أنه من حقي أن أسجل بعد ما يقارب من أربع سنوات أننا بهذا التصور وهذا التكتيك , لسنا أقرب إلى قيام الدولة الفلسطينية عما كنا عليه في مثل هذه الأيام من عام 1988 ولا أريد أن أتفلسف كثيراً . وبالتالي فإنني أستند في تسجيل مثل هذا الاستنتاج إلى الواقع الملموس والواقع الملموس أقوى من أي كلام ومن أي فذلكة . هذا ما كانت تقصده الجبهة الشعبية عندما كانت تنادي بضرورة عقد المجلس الوطني بأسرع وقت والقيام بعملية تقييم ومراجعة بهدف استخلاص الدروس وإتباع تكتيك آخر ورسم برنامج كفاحي حلقته المركزية وهي العمل النضالي الكفاحي – الجماهيري , دون أن ننسى ترابط هذا مع العمل السياسي والدبلوماسي الآن عندما نراجع مثل هذا التصور الذي قدمته قيادة منظمة التحرير الفلسطينية , وبنت على أساسه تكتيكها وبرنامجها , ما هي الأخطاء التي وقعنا بها والتي يجب أن نستفيد منها ونأخذها بعين الاعتبار في عملنا المقبل ؟ 

أولاً : ضرورة معرفة العدو معرفة عميقة ودقيقة بدون أوهام وبدون تمنيات , فهذا العدو سيتشبث بكل شبر مما يعتقده , أرض اسرائيل , ولن ينسحب منها إلا مضطراً نتيجة خسائر اقتصادية ومادية وبشرية ترغمه على الانسحاب , هذا العدو الذي يتجه يميناً حقبة وراء حقبة , هذا العدو الذي تشكل قوى السلام فيه قوى هامشية تسير نحو التقلص يوماً بعد يوم .
ومن الصعب أن تختلف هذه الصورة إلا نتيجة برنامج كفاحي يفرض عليه أن يقف أمام حقائق جديدة .
ثانياً : طبيعة ارتباط العدو الصهيوني بالامبريالية بشكل عام , والامبريالية الأمريكية بشكل خاص , ثم نمو حجم الشراكة الصهيونية في مثل هذا التحالف بحيث بات الموضوع يختلف عن الصورة التي كانت قائمة عام 1956 " قصة هاتف إيزنهاور " .
ثالثاً : العامل المحلي هو الأهم رغم أهمية العامل الدولي والمناخ الدولي .
رابعاً : ضرورة استذكار وتذكر فعل بعض القوانين التي لا مجال للتهرب منها من نوع ( ما أخذ بالقوة لا يسترد بغير القوة ) ومن نوع ( لن يجلو الاحتلال إلا مضطراً ) ومن نوع : أن أية مفاوضات لا يمكن أن تعطينا نتائج متعاكسة مع موازين القوى على الأرض . إنني هنا لا أتحدث عن موازين القوى بالمعنى العسكري البحت , فاسرائيل اضطرت أن تجلو عن بيروت والجبل وصيدا وصور عندما كانت تصلها حوالي خمس جثث من لبنان يومياً .
فلنتذكر هذه الدروس في نضالنا المقبل مع هذا العدو وعلى ضوء كل ذلك فإنني أدعو قيادة منظمة التحرير الفلسطينية إلى العمل لتحقيق شعار الدولة الفلسطينية وفق التصور الآخر القائم على أساس أن تحقيق الدولة مهمة كفاحية .
وهذا يتطلب أولاً : عدم الاكتفاء باستمرار الانتفاضة وإنما التفكير المتصل بتصعيدها وفي ذهننا إلحاق الخسائر البشرية والاقتصادية بالعدو الاسرائيلي .
ثانياً : ولكي تستمر الانتفاضة وتتصاعد لا بد من الوقفة الجادة أمام الركيزة التنظيمية والركيزة الاقتصادية .
ثالثاً : لا تنازلات مجانية والتشبث بخط سياسي قائم على أساس الشرعية الدولية .
رابعاً : عملية إصلاح ديمقراطي حقيقي وجاد في منظمة التحرير ومؤسساتها تجعلها قادرة على تعبئة ستة ملايين فلسطيني في كافة أماكن تواجدهم تخلق منهم قوة حقيقية في المنطقة قادرة على فرض إرادتها .
خامساً : العمل الجاد في الساحة العربية شعبياً أولاً ورسمياً ثانياً .
سادساً : الأولوية للعمل الكفاحي والنضالي العنفي واللا عنفي , العمل الانتفاضي بشتى أشكاله وألوانه دون أن ننسى أهمية العمل السياسي والدبلوماسي . إن جسر الهوة بين إعلان الاستقلال وإقامة الدولة الفلسطينية على الأرض مهمة كفاحية شاملة وطويلة , لقد جربنا في السنوات الأربعة الماضية تكتيكاً معيناً وبرنامج عمل معين , أنني أدعو لاتباع تكتيك آخر وبرنامج عمل يكون خاضعاً للتقييم والمراجعة منذ سنتين أو بضعة سنوات .

الموضوع الثاني : الوضع السياسي :
لقد حصلت منذ 9 ديسمبر 1987 حتى هذه اللحظة تطورات دراماتيكية ونوعية حاسمة على الصعيدين العربي والدولي .
فقد حسمت الحرب العالمية الباردة – أي الحرب العالمية الثالثة – لمصلحة الغرب ولمصلحة الإدارة الأمريكية بالذات , بحيث بتنا نعيش الآن عالم القطب على عرش النظام العالمي الاستعماري الجديد .
فالعالم الآن ولبضعة سنوات تتحكم به الإدارة الأمريكية هذا لا يعني الاستخفاف الكامل بالقوى الأخرى – أوروبا – الصين – الأمم المتحدة وغيرها – غير أن المظهر الرئيسي للوضع العالمي هو تحكم الامبريالية الأمريكية في هذا الوضع والموقف الأمريكي معروف إزاء شعبنا وقضيتنا .
وعلى الصعيد العربي الرسمي فإن هذا الوضع يعيش حالة انهيار وانقسام وتفتت , وإن محاولة العراق التمرد على هذا الوضع لم تنجح مع الأسف الشديد في مثل هذا الوضع الدولي والعربي الرسمي يتقدم بوش وبيكر بمشروع لتصفية القضية الفلسطينية وليس تسويتها .
إنها فرصة ذهبية كما يقولون من الصعب أن تتكرر , تصفية الصراع العربي – الصهيوني وتصفية الصراع الفلسطيني – الصهيوني في هذه المنطقة من العالم – منطقة النفط .
إنه يعملون ويريدون منا أن نوافق على تصفية قضيتنا بأنفسنا لأنه من خلال موافقتنا فقط يمكن أن تحصل التصفية ويطمئنون للوضع الجديد .
هل في هذا الكلام أية مبالغة ؟ إن جولة بيكر الأخيرة قد أوضحت ذلك بشكل سافر : حكم ذاتي وكنفدرالية مع الأردن في أحسن الأحوال . وممنوع أن نفكر بتقرير المصير أو الدولة الفلسطينية .
هذه هي نتائج كافة جولات بيكر وليس هذا فقط , بل إن عملية الاستيطان مستمرة أثناء المفاوضات , والقدس تبحث في المرحلة الثانية . هذه هي المؤامرة , وفي مجابهتها نحتاج إلى عاملين اثنين : موقف سياسي واضح يضمن وحدة الشعب – برنامج نضالي يعمل على تغيير ميزان القوى تدريجياً , بحيث نصبح قادرين على فرض الدولة وقرارات الشرعية الدولية .
الموقف السياسي – يجب أن يكون رفض المؤامرة , رفض مشروع الاستسلام الأمريكي – رفض الدخول في مؤتمر أكتوبر أو نوفمبر وبلورة موقف فلسطيني واضح على هذا الأساس , ومقابل عملية الرفض هذه نعود ونبرز ونؤكد على مشروع السلام الفلسطيني القائم – كما نفهم – على أساس كافة قرارات الشرعية الدولية , والتي لن نرضى بأن يضيع وسط ما يطرحه المعسكر المعادي من مشاريع .
إنني سأتقدم باسم الجبهة الشعبية باقتراح لمجلسكم بأن يرفض مشروع الاستسلام الأمريكي . ويثبت مشروع السلام الفلسطيني القائم على أساس المؤتمر الدولي الذي تشترك فيه منظمة التحرير الفلسطينية كممثل شرعي ووحيد , بعيداً عن مشاريع الوفد المشترك .
ماذا عن موقف نعم ولكن ؟ إننا نرفضه لأنه يعفي المجتمع الدولي من مسؤوليته إزاء القضية الفلسطينية , ولأنه لا يصلح لتعبئة جماهيرنا الفلسطينية والعربية , ولأنه يحمل خطر الانزلاق المتدرج فنجد أنفسنا عن وعي أو عن غير وعي منزلقين وغارقين تدريجياً في المشروع المؤامرة الذي يستهدف تصفية قضيتنا .
إن واجبي أن أسجل بوضوح شديد إن الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين لا يمكن أن تتعايش مع موقف الانخراط في المؤتمر المؤامرة الذي سيؤدي إلى تصفية قضيتنا . إنني أحمّل كل واحد منكم المسؤولية , فالوحدة الوطنية أساسها الثوابت الفلسطينية , فإذا انهارت هذه الثوابت نكون أمام وحدة استسلامية إن لم تكن خيانية كما وصفناها جميعاً أثناء الحوارات التي دارت تمهيداً لانعقاد المجلس الوطني .
ويهمني أن أؤكد أن أولى الثوابت : قضية التمثيل , وهنا تجري كافة الضغوطات لتقديم تنازل مجاني يتناول التمثيل , إنني أحذر من ذلك واعتبر التجاوب معه بداية الانزلاق في المشروع المؤامرة , فهذه ليست قضية شكلية كما يدّعي البعض بعد تحديد الموقف السياسي الواضح نصبح أمام برنامج العمل الذي يحدث تغييراً متدرجاً في موازين القوى يجعل من إعادة طرح برنامج السلام الفلسطيني موضوعاً قابلاً للتحقيق .
وعناوين هذا البرنامج هي الانتفاضة والوحدة الوطنية وترتيب البيت الفلسطيني وعملية الإصلاح الديمقراطي التي تعبئ ستة ملايين فلسطيني يرفعون شعار تقرير المصير ويناضلون بجدية وبكل الوسائل لتحقيقه بالإضافة إلى نضالنا في الساحة العربية والدولية لكسب الأصدقاء.
الأخ أبو عمار رئيس دولة فلسطين
أطفال الحجارة يريدون دولة مستقلة وذات سيادة , أطفال الحجارة الذين كثيراً ما خاطبتهم من منفاك يريدون علماً ونشيداً وطنياً وجواز سفر ومقعداً في هيئة الأمم , وأرضاً يستندون لها لتحرير كامل تراب وطنهم من النهر إلى البحر, لا يريدون حكماً ذاتياً , ولم يناضلوا لأجل نسخة منقحة لمشروع المملكة العربية المتحدة .
إنني أعرف جيداُ الضغوطات التي تمارس عليك في هذه اللحظة , وأعرف من يقوم بهذه الضغوطات فليكن جوابك باسمنا جميعاً " ومن المؤمنين رجالاً صدقوا ما عاهدوا الله عليه , فمنهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر وما بدلو تبديلا " .

والســلام عليـــكم
   
  د جورج حبش

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق